في تعريف الأمة – وسام شرف الدين


الأُمة هي المصطلح القانوني والسياسي، و الديني هي عبارة عن جماعة من الناس يرتبط أفرادها بروابط معينة  كالدين و اللغة و التاريخ أو الجنس …، والمصالح المشتركة والغايات الواحدة.

و في المصطلح الديني، الأمة الإسلامية هم الذين يدينون بالإسلام في كل بقاع الأرض، و يشتركون بالضمير الإسلامي الواحد، و المصالح و الهموم و الغايات.

ولا أعتقد أن الأعم الأغلب من الأمة الإسلامية اليوم يعلم ما معنى كلمة “أمّة” وأهيّتها.  و قد يلتبس على المسلم ، فيخلط بين الأمة و الوطن، و بين الأمة و الجغرافيا، أو بين الأمة و القبيلة.   فإذا أخبرته بأن عدد إخوانك و أخواتك المنتمين لهذه الأمة القاطنين في أمريكا و الحاملين للجنسية الأمريكية يفوق عدد أخوانك و أخواتك القاطنين في دولة الإمارات العربية المتحدة، أو في قطر أو البحرين أو الكويت أو سلطنة عمان، أو حتى في الأردن و فلسطين و لبنان و ليبيا و موريتانيا و جيبوتي مثلاً، سوف يتفاجئ و يصمت لحظة كي يستجمع أفكاره.

فهل أمريكا إذن بلد من بلدان الأمة الإسلامية؟، و ليس لأمريكا ديناً رسميّاً، و نظامها ديموقراطياً محضاً، ويشارك المسلمون في بناء دولتهم فيها أكثر من مشاركة أي مواطن عربي في دولة عربية في صنع قرار حكومته.

أليست أمريكا و الأمريكيون، المسلمون على الأقل، جزء لا يتجزء من الأمة الإسلامية؟  يعانون لمعاناة إخوانهم و يفرحون لأفراحهم، و يدعمونهم بالصوت و المال و الموقف؟

أليست كلمة “الله أكبر” ترفع على مآذن أمريكا أكثر من مآذن نصف العالم العربي (نسبة إلى عدد المساجد) ؟!

أم لأن السياسة الخارجية الأمريكية تتخذ مواقف محايدة لإسرائيل؟ و في بعض الأحيان تكون رد فعلتها على أعدائها في الدول الإسلامية ردّاً أهوجاً و غير متوازن؟ لذلك نخرجها من بوتقة الأمة و نستثني شريـحة شعبها المسلم من عداد الأمة؟

و لكن، هل السياسة الخارجية للكثير من الدول “الإسلامية” محايدة لإسرائيل و داعمة لقضايا الأمة؟!

قل لي بربك ما هي الدولة العربية التي تدعم قضايا “الأمة” و تقف بوجه أعدائها بشكل مستمر لا استثنائي؟

ثم قل لي هل أن الدول العربية، التي نعدّها مهد الأمة الإسلامية، ترد على بعضها البعض بشكل معتدل، أم أن ردودها أكثر بربرية من إدارة بوش و أشد بطشاً من شارون في ربيع أيّامه؟

هذه جميعها تساؤلات حول تعريفنا للأمة الإسلامية و استخدامنا لهذا المصطلح استخداماً سيئاً لتقسيم العالم إلى كانتونات عدائية دينيّاً.

إنّ مفهوم الأمة، و خاصة اليوم في عصر العولمة و الاختلاط البشري الثقافي و الديموجرافي، يـحتاج إلى إعادة تعريف و إعادة توجيه بما  يخدم الإنسانية لا أن يـحاربها و يخندقها في خنادق العداء و الانقسام.

أدعو إلى رفض مفهوم الأمة إذا استخدم استخداماً إرهابيّاً قائماً على فكر سقيم و تقسيم عقيم، و أن يفهم المسلمون اليوم بأن الإسلام في كل مدينة في العالم و في كل قرية، و أن الفكر يطير في فضاء إلكتروني رحب، لا يسع لأحد أن يـحده لا بسيف و لا ببندقية و لا بدبابة، و أن الإسلام إنّما حارب ما وقف بوجه الإنسانية من أن تتقدم في أفق الأخلاق و الرقي و المدنية، و لم يـحارب للعقيدة كعقيدة، فذلك لله، يهدي من يشاء و يضل من يشاء، و هو الذي يلقى عباده يوم القيامة فيحاسبهم بما كسبت أيديهم، ليس عليك هداهم، هو أعلم بمن اتقى، إنك لا تهدي من أحببت، إن الله يهدي من يشاء، و عليكم بأنفسكم، لا يضركم من ضل إن اهتديتم، و إلى ما هنالك من الثقافة القرآنية القائمة على حرية العقيدة و التي عنوانها “لا إكراه في الدين”.

فكفانا حرباً وهميّة لا تنفع إلا القبور و لا تطعم إلا الموت و الثبور، و علينا ببناء حياتنا و بلادنا حتى نقدم شيئاً للإنسانية بدل أن نبقى صفراً على شمالها كما نحن اليوم، نستطعمهم القمح و الشعير و نستنظرهم الدواء و الرداء، و إذا أردنا أن نخوض حرباً ننتصر فيها لديننا، فها هي أمامنا أبواب الفكر و مقاعد الجامعات، تنتظر الكلمة الواعية و تتوق للفكرة الجديدة. فلندلو بدلونا و لنعرض ما عندنا، و لنحترم إنسانيّة الفكر الآخر، حتى يـحترم الآخر فكرنا.

وسام شرف الدين

2 comments on “في تعريف الأمة – وسام شرف الدين

  1. السلام عليكم
    أعتقد أنك قد أشرت في مقالك إلى تعريف الأمة كأمة دينية, لكن ماذا عن تعاريف الأمة الأخرى؟ أليس الذين يتحدثون العربية يشكلون أمة بحد ذاتها؟ أم االذين يتشاركون نفس الأرض؟ أم الذين هم من عرق واحد؟ هذا موضوع يطول الحديث والبحث فيه ولا أجد له جواباً حتى الآن..

  2. مفهوم الأمة يتعدى الدين لكل مكونات المجتمع .. الذي وضح ذلك كتاب النبي في المدينة الذي اعتبر فيه اليهود من بني عوف جزء من تشكيل هذه الأمة .. وعلى هذا مفهوم الامة يشمل كل مكونات المجتمع

أضف تعليق