أسئلة حول الإسلام

أسئلة حول الإسلام

نظرة الإسلام للقتال

س1:هل يحرّض الإسلام على القتال؟

ج1:نعم يحرّض الإسلام على القتال ولكن قتال من؟ يحرّض على قتال من يقف في طريق الدعوة، ومن يحبس صوتها، ويهدّد مجتمعها، ويفتن أهلها، ويشيع الفساد على مختلف صنوفه في ناسها.

فإذا كان الإسلام ديناً ودولة عليه تأمين المجتمع وتطمينه، وتهيئة سبل عيشه ، ومن يقف بوجه أمن المجتمع وإقتصادياته فإنّه يتعرّض للعقوبات التي تعارف الناس عليها والتي عرضها القرآن الكريم كقوّة رادعة ، وقد لا تكون هي ذاتها عند تغيّر الأزمان والأحوال.

بغض الناس

س2:هل يأمر الإسلام بكراهية الآخر؟

ج2:من أجل أن يقوم المجتمع بكلّ أطيافه، لا بدّ أن يتوافر على الحبّ ، فبالحبّ تبنى الحياة، ويسعد الناس، وهذا المعنى هو الذي دعا اليه الإسلام، فلن يتحقّق للمسلم إيمان تامّ إذا إنطوى على الحقد والكراهية للناس كافّة بغضّ النظر الى أديانهم وجنسياتهم وألوانهم .

ولصفة المجتمع من كونه مجتمعاً إسلامياً توحيدياً كان لابدّ أن تبنى شخصيته على عدم مودة أعداء هذا المجتمع وأعداء عقيدته، ذلك العدو الذي يتحرّك بعدائية لا تسمح للمسلم أن يتعامل معه بإسترخاء.

فلا مودّة لمن يزرع الأشواك في طريق المسلم، ولا محبّة لمن يزرع البغض الممنهج للعقيدة ويتربّص بالإسلام الدوائر.

تعدّد الزوجات

س3:مامعنى أن يسمح الإسلام بتعدّد الزوجات؟

ج3: نعم سمح الإسلام بالتعدّد يوم كان المجتمع يسمح بذلك، وفرق بين أن يسمح وبين أن يفرض، فلم يفرض الإسلام ولا يشجّع على تعدّد الزوجات، بل يمنع إذا كان لغير ضرورة ملحّة، وقد يوجب التعدّد إذا فرض المجتمع ذلك.

فالإسلام دين واقعي يمشي مع مصلحة المجتمع ويعتبر مصلحة الفرد ذائبة في مصالحه العليا، فالعلاقة الزوجية الذي يعبّر الإسلام عنها بأنّها لباس وزينة وسكن ورحمة هي التي تدفع بالحياة الى التجدّد والنمو، وذلك من خلال زوج وزوجة في بيت الزوجية المفعم بالحبّ، ولا أتصوّر أنّ التعدّد يحقّق كلّ تلك المعاني إلاّ أن تفرض الضرورات نفسها إن وسع الزوج إدارة العملية بنجاح وبرضا وغبطة الزوجات .

إحتقار المرأة

س4:هل يحتقر الإسلام المرأة ويعتبرها ناقصة عقل ودين؟

ج4:جاءت أحكام الإسلام بخطابها وفقاً لخطاب المجتمع الذي إنطلقت فيه هذه الأحكام، فالمجتمع العربي يومذاك مجتمع ذكوري، وليس للمرأة دور في التفاعل مع قضاياه إلاّ بنسبة محدودة، ولا يسع الإسلام أن ينطلق في هذا المجتمع إلاّ أن يتماشى مع خطابه، فجاء خطاب الإسلام ذكورياً أيضاً ولكنّه أسس لحقّ المرأة وجعلها بمصافّ الرجل فلهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف، لاغيا بذلك ًكلّ التصورات السلبية التي عاشتها الحياة العربية حول المرأة، وقد حارب بخطابه الإنساني الذكوري كلّ التراث القديم تراث الحضارات وماقيل عن الديانات في رأيها السلبي عن المرأة، فهي والرجل مسؤلان عن بناء الحياة.

إغراء المسلم بالجهاد

س5:هل يعتبر الجهاد عملية إغراء للمسلم بقتل نفسه دفاعاً عن ربّه؟

ج5:من المقبول عقلاً أنّ أي اًمّة من الاُمم، بل أي مجموعة صغيرة أم كبيرة إذا تعرّضت لمضايقات حادّة، ولعمليات إستئصال وتصفية، فإنّها ستقاوم،  وتردّ العاديات عنها، وليس الجهاد في سبيل إلاّ منعاً للمعتدين، وردّاً لمن يريد وأد تجربة الإسلام في مهدها، فدفاع المسلم عن كلّ هذه المعاني أجده مشروعاً، وهي خالة فطرية عامّة عند كلّ الاُمم والشعوب.

وقد أسمى الإسلام هذا الدفاع عن النفس وعن الوطن وعن القيم جهاداً، وشجّع عليه ودعا المسلم أن يكون مجاهداً على طول وجوده، بالضوابط التي أملاها الإسلام وبالحدود التي رسمها.

اليهود والنصارى

س6: هل يعتبر الإسلام اليهود من المغضوب عليهم والنصارى من الظالين؟

ج6:لقد جاء النصّ القرآني في سورة الحمد وهي فاتحة الكتاب(إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالينوهذا هو دعاء يرفعه المسلم في صلاته كلّ آن، وهوكذلك منهج لحركته فيما يتعامل به مع الواقع.

فالمسلم يطلب من ربّه أن يهديه على طريق الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، ليحذوا حذوهم، ويهتدي بهداهم ، ذلك أنّهم نجحوا في العلاقة مع ربّهم، وأدّوا ماعليهم، وكانوا إيجابيين مع الحياة والكون والإنسان.

ويجنّبه الذين دخلوا في غضب الله حيث تنكبوا طريق الله وضلّوا وأضلوا ، وهذه الصفات عامّة لكلّ من لم يهتدي طريقه سبحانه.

ولكنّ بعض مفسري القرآن الكريم فسروا أنّ المغضوب عليهم هم اليهود والظّالين هم النصارى ، وهذا لا يمثّل رأي الإسلام بل هو رأي هؤلاء المفسرين، وقد يكون بعض اليهود والنصارى مصاديق لذلك وقد لا يكونوا، فالفكرة عامّة وتحتمل التطبيق على كلّ مصداق لها من أي دين ومن أي إتجاه.

الخمر حلال

س7: لماذا الخمر حرام في الدنيا وحلال في الجنّة في الآخرة ؟

ج7:حرّم الإسلام الخمر بأمر من الله سبحانه وليس لأنّها ضارّة أو مسكرة أو بسبب حادثة وقعت، وتقرّر أنّ شرب قطرة خمر حرام ، بيد أنّ هذه القطرة ليست ضارّة ولا مسكرة إن لم تكن مفيدة كما يفيده الطبّ الحديث.

ومن هنا يتجلّى عمق علاقة المسلم الذي يدين بالإسلام  الذي يحرّم عليه قطرة الخمر ولا يتناولها طاعة لله تعالى،

كما يتناولها غير المسلم ليتقرّب بشربها الى الله سبحانه، ونقول أنّ هذا في طاعة ، وذاك في طاعة، وأمّا كيف أنّها حلال في الجنّة فذاك أمر يسأل عنه الله عزّ وجلّ، ولربّما هي غير تلك الخمرة التي باتت أضرار شربها بكثرة ما يؤكده الطبّ ، ويحذّر منه الأطباء .

والقرآن الكريم كما هو معلوم يستخدم مصطلحات متشابهة ونظائر، يقوم على تفسيرها أهل الخبرة من خلال جو الآية ومناخها، فلعلّه يريد بالخمر في الجنّة هو كلّ شراب يستعذبه الإنسان، ويطمح بخياله في إسترخاء ، كما هو الحال في الخمر في الدنيا.

سبي النساء وإغتصابهن

س8:لماذا السبي في الإسلام وبالأخصّ سبي النساء وإغتصابهنّ من قبل المحاربين؟

ج8: السبي ظاهرة ضربت بأطنابها في التأريخ البشري ، ممّا وطّن المحارب نفسه لهذه الظاهرة،وهي ليست غريبة على النساء، إذ أنّ ضريبة كلّ معركة يتحمّلها المنهزم فيها.

وجاء الإسلام الى واقع فيه من هذه الألوان السلوكية الكثير، ومن خلال روحه التي نفثها رسولالإسلام محمّد(صفي روع المسلمين ، ماجعل منهم اُمّة تحاول إلقاء هذه التركة السلوكية الثقيلةوراء ظهرها، وهي تستقبل نداءات جديدة من العفو والرحمة والرعاية، وقد يخطأ مسلم في موقف مافلا ينسحب خطؤه على الإسلام كنظام.

ولكن في المجموع المكوّر أنّ صفحة المسلمين بيضاء ناصعة فيما تعاملوا به مع أسراهم، وبالنسبةالى المرأة التي يقع عليها السبي، فليس أمام صيانة حرمتها إلاّ الزواج بها ودخولها بيت الزوجية،وهي مهيئة لذلك بحكم معرفتها بنتائج أي معركة تقع بين قبيلتها وبين غيرها، وبذات الوقت فهيتستقبل إمرأة لو وقع السبي عليها وتدخل معها بيتها ضرّة لها.

وإذا وقعت أخطاء من بعض المسلمين فيما يتعلّق بالنساء المسبيات، فهذه الأخطاء نادرة وهي لاشئ أمام الخطّ العام لأخلاق الجيش المسلم، وتظلّ وصايا رسول الله (صفي هذا الإتجاه معلماًتقف أمامه البشرية بإكبار.

نكاح الحوريات في الجنّة

س9: الإسلام يغوي أتباعه بنكاح الحوريات في الجنّة.

ج9: إنّ للإنسان دارين دار الدنيا ودار الآخرة ، وأراد الله لدار الدنيا أن تكون ممّراً لدار الآخرة فهي الباقيةويخلد فيها الإنسان مقاما، أمّا الدنيا فهي فانية.

وقد تعرّف الإنسان في هذه الدنيا على ملاذ كثيرة ، ومن أكثر هذه الملاذ هو النكاح، وقد شاع عندغالبية الناس أنّ البكر هي المثير للعملية الجنسية كونها تتعرّف تواً عليها فتولّد الطاقّة المضاعفةلإستقبالها.

ومن هنا جاء الخطاب القرآني مناغماً مشاعر هذه الغالبية من كون الوافدات على الآخرة (عرباً أترابا)وكون الحور العين هنّ اللّواتي يدرن هذه العملية من خلال مايملكن من طاقة في هذا الإتجاه، وأنّالولدان المخلدين من يقومون بالخدمة إستجابة لطموح البشر في داره الدنيا .

فالآخرة مسرح للجمال والذوق والإسترخاء الذي إفتقده البعض وهو صالح، ومن توافر لديه فهو يترقّبما هو أعلى منه قيمة وجمالية.

فما المانع إذن من أنّ الله يعد الصالحين بكلّ ذلك تفضّلاً منه سبحانه وإحسانا، في اساليب غاية فيالدقّة والعفاف، وفي تصوير ينأى عن الإثارة المباشرة، ويؤسّس لثقافة الحديث عن الجنس كقضيةيمارسها الإنسان من دون أن يجد في ذلك حرجاً ، ويتحدّث بها من دون حياء.

قتل الخلفاء الراشدين

س10: لا يوجد دين يقتل أتباعُه خلفاء نبيهم الراشدين (عمر وعثمان وعلي) بالسيف إلاّ الإسلام.

ج10: إنّ الذين أقدموا على قتل الخلفاء الراشدين بمختلف توجّهاتهم وطبيعة نواياهم هم مخطئون مندون شكّ ،وستلاحقهم لعنات التأريخ، وإذا كانوا قد أخذوا الجزاء العادل في الدنيا فلسوف يواجهونربّهم بوجه أسود، وهو شأن كلّ من يزهق نفساً محترمة.

لقد قتل أبو لؤلؤة المجوسي عمر بن الخطّاب (رضكون عمر فتح بلاد فارس فأنقذ الفرس من ضيقالمجوسية الى سعة الإسلام وعدله، فثأر أبو لؤلؤة على قيم حضارته فإقتصّ من عمر بن الخطّاب.

وقتل مجموعة من المسلمين عثمان بن عفّان (رضبعد أن أصابهم اليأس من عدم مكنة الخليفة منالتغيير في إدارة البلاد والعباد كون بني أبيه ( بنو اُميةقد إستولوا على مرافق الحياة السياسيةوالإقتصادية بأنانية وشراهة، ولقد أساء هؤلاء الفعل ولم يهتدوا الى إسلوب آخر فأحرنوا عند تصفيةالخليفة إعتقاداً منهم أنّه الحلّ الأمثل.

وقتل إبن ملجم عليّ بن أبي طالب (عإنتقاماً لإستئصاله شأفة (أهل الجباه السودالذين يسمّونأنفسهم (الشراةونسمّيهم ( الخوارج ) وهم الذين يمثلون خطّاً متشدّداً في الحياة الإسلامية، ولقدكان عليّ(عواقفاً بطريقهم، مانعاً من إنتشارهم في الأمّة لأنّهم طابور جاهل .

وهل نعتقد أنّ الإسلام هو الذي دفع هؤلاء الأصناف الثلاثة الى هكذا ممارسات؟، إن لم يكونوا خنجراًفي خاصرته.

عائشة تقاتل عليّاً

س11: لايوجد دين تقود زوجة النبيّ(عائشة) حرباً على إبن عمّ النبيّ وزوج إبنته(علي) إلاّ الإسلام.

ج11: أخطأت زوج نبيّنا اُمّ المؤمنين عائشة(رضفي فتح معارضة ضدّ الخليفة الشرعي المنتخب عليّبن أبي طالب، وتتحمّل السيدة عائشة وزر كلّ الذين راحوا الى الله من خلال حربها التي سمّيت(حربالجمل).

فالزوجية والصحبة لا تمنع من الخطاّ، ولا تردع من إرتكاب خلاف مايأمر به النبي والإسلام، ولأنّالمسألة هذه وأمثالها أصبحت من التأريخ فعلينا أن لانكرّر مثلها في تأريخنا المعاصر، فنقتل عليّاً منجديد ، أو نجرّح فنخرج عن قواعد الأدب، ولا مانع من النقد البنّاء من أجل أن نثري العقل المسلمبالبحث المثمر،فالسيدة عائشة ليست فوق النقد، ولا حصانة لها ولا لغيرها ممّن إرتكبوا أخطاء بالتأريخ.

ويبقى الإسلام بقواعده العامّة التي تأمر بالعدل والإحسان وحفظ النظام العام وإحترام حقوق الإنسان،وبناء الحياة على أساس من توحيد الله سبحانه، هو المنهج الذي ينبغي أن يراعى في الممارسة، ولاتنسحب أخطاء منتميه عليه البتّة.

مقتل سبطي الرسول

س12: لا يوجد دين يقتل المسلمون أحفاد نبيّهم الحسن والحسين والعبّاس إلاّ الإسلام.

ج12وهكذا حدث في التاريخ أن قتل حفنة من المسلمين أبناء نبيّهم يوم أعلن هؤلاء الأبناء الطيبونالإسلام هو عشيرتهم، والمنهج الذي تقاس على أساسه كلّ قضاياهم، ممّا أثار هذا التوجّهالمتخندقين بالعشيرة كما أثار اسلافهم من قبل.

فليس كلّ من دخل في الإسلام قد خلع لباس جاهليته، أو إستبدل مناهجه بمنهجه.

ونحن نعرف جيداً أنّ طوابير من أهل النفاق تسلّلوا الى مرافق الدولة الإسلامية وشكّلوا تيّاراً فيالاُمّة ولعبوا أدواراً مشينة ضدّ الإسلام .

ولم يكن كلّ المسلمين بالمستوى الذي يدرك لعبة هؤلاء وكبير دورهم في عرقلة تطبيق المنهجالإسلامي في قيادة الحياة

ولقد صبّ المغرضون والمنافقون والطلقاء، ومن مشى وراءهم طمعاً أو خيفة وإرهاباً جام غضبهم علىأهل الوعي والبصائر من الذين جعلوا الإسلام مقدّماً على مصالحهم، وضاعفوا الهمّ بإتجاه تحكيمه فيالواقع دون أن يلتفتوا الى قيم العشيرة وماشابه.

ومن الطبيعي أن يخلق هذا المعنى خطّين في الحياة الإسلامية ولا يلتقيان بحال، ومن هنا قُتلالحسين ومن قبله قُتل أبوه وأخوه عليهما السلام، وقتل كلّ من سار على ذات الخطّ الذي مشوا فيه.

ونلحظ متابعين أنّ الخطّ الواعي لا يعمد الى تصفية خصومه، وذلك منذ إنطلاقة الإسلام الاُولى فيالمدينة المنورة، بيد أنّ أهل النوايا المدخولة، والأنانيات، وأهل منطق العشيرة لا يملكون وسيلة إلاّتصفية ما يعتبرونهم خصوماً.

حروب الرّدّة

س13: لا يوجد دين يرتدّ أتباعه بعد موت نبيهم وتنشب حرب لإعادتهم بالقوة(حروب الردّة) إلاّ الإسلام.

ج13: لم تكن حروب الردّة التي قادها أو بكر الصدّيق(رضضدّ بعض القبائل التي إرتدت عن الإسلامبعد رحيل نبي الإسلام(صبداعي إرتدادهم عن الدين، بل لأنّهم أعلنوا التمرّد على الدولة التينظامها الإسلام، وأرادوا إرجاع الاُمور كما كانت في الجاهلية.

وكذلك ضدّ رؤوس الفتنة التي أعلنوا نبوءات زائفة من أجل إحداث بلابل في الإطار الديني، من أمثالسجاح وطليحة اللّذين إدعيا النبوة.

وكذلك ضدّ من إعتقد منع الزكاة وهي العصب الإقتصادي التي تقوم عليه الاُمور لشبهة لم تكن موفقةومدروسة، فكلّ هؤلاء نالهم ردع الدولة الذي يتناسب وحفظ نظامها السياسي والإقتصادي والدينيوالأمني.

وإذا كان الإسلام يريد إعادة هؤلاء اليه فلماذا لا يجبر يهود المدينة والنصارى من ترك دينهم وإعتقادالإسلام، فأمر كلّ واحد في الإسلام يريد تبديل دينه، أو لا يعتقد بدين أصلاً، من دون أن يدخل هذاالمعنى فتنة في المجتمع، فشأنه شأن أي واحد يدين باليهودية أو المسيحية ( من شاء فليؤمن ومنشاء فليكفر).

وليس هناك عقوبة لتبديل العقيدة في الدنيا والأمر كلّه متروك لله سبحانه فهو يفصل في الإموركلّها(إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إنّ الله يفصل بينهم يومالقيامة إنّ الله على كلّ شئ شهيد). صدق الله العظيم.

البدع

س 14: ما هو موقف إرشاد من البدع؟What is our stance on Innovations in Religion?

ج14على المسلم أن يقف بوجه كلّ بدعة في الدين بالوسائل السلمية وبالطرق الحضارية التي لاتنأى به أساليب ردّه لها أن يعرّض مرتكبها لأذى جسدي أو نفسي.

ومن حقّ الاُمّة المسلمة إستعمال كافّة الوسائل المتاحة للوقوف بوجه البدع إذا كانت ترى أنّها تولّدفتنة في المجتمع المسلم.

The Muslim should confront innovations in religion that some people show in the Islamic circle, and he/she should use the available tools to do that as long as the tools do not lead to any harm or to any provocation or agitation in the society.  The innovation that deserves to be confronted is new adapted acts or concepts which have dressed up in the uniform of religion, or any abatement or

increase in religion that the Ummah has a consensus on its invalidity

معنى العبودية

س 15: ما معنى العبوديةفي علّة خلق الإنس و الجنّ كما في قوله تعالى: “و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدونـ؟

ج15 : خلق الله سبحانه و تعالى الجنّ و الإنس من أجل إيجاد قاعدة مخلوقات يتوجهون إليه بالعبادة وإفراده بالإلوهية، ما من شأنه أن يوحّد جميع مخلوقاته على طريق عبادته حتّى يحصلوا على السعادةو يتاح لهم العيش بأمن وسلام تحت سقف الواحد الأحد، مُطلِقاًَ لهم الإختيارفي سلوك أي طريق ،فهم لم يصاغوا تكويناً ليقوموا بعملية العبادة التي أشارت إليها الآية، بل أراد الله للجنّ والإنس تحديداًدون سائر مخلوقاته إرادة تشريع لا تكوين أن يعبدوه .

الحرية الشخصية

س16ماهو موقف إرشاد من الحرية الشخصية؟

ج16لكلّ إنسان الحرية بما يعبّر عن رأيه من دون تجريح، وأن يختار طريقة عيشه بما يعبّر به عنذوق، وله أن يدين بأي دين أويتمذهب بأي مذهب سواء كان أرضياً أم دينياً كيفما يرتأي، ولا يحقّ لأحدأن يفرض على الآخر طريقته في كلّ هذه الاُمور.

بل المجتمع له الحقّ في فرض قضاياه التي ترتبط بهويته وقيمه الحضارية ، فيدفع الفرد ضريبة الحريةكونه عضو في هذا مجتمع، والمجتمع يحفظ للفرد ماله وعرضه ونفسه ، في إطار العقد الإجتماعيالقائم بين أفراده.

كيف نفهم الشفاعة؟

س17: كيف نفهم الشفاعة التي يتناولها الناسفيما بينهم في أن يرتكن أحدهم إلى ولي أو رجلصالح في إنقاذه من المساءلة يوم القيامة؟

ج17أعتقد أنّ الشفاعة التي ذكرها القرآن الكريم و جاءت فيها أحاديث صحاح عن نبي الإسلام محمّد(صهي في إطار الرحمة الإلهية التي تشمل الناس جميعاً.

وأراد الله سبحانه لها أن تمرّ من خلال وسيط يحظى بقبوله سبحانه، نبيّاً كان هذا الوسيط أو وليّاً صالحاً.

فكأن المشهد في يوم المحشر أن يحضر من قال لا إله إلا الله خالصاً قلبه، راجياً رحمة ربّه، توّاقاً للقاءإخوانه أهل لا إله إلا الله من أنبياء و رسل و صالحين ، وأنّ هناك تقصيرات و ذنوباً قد إرتكبها، فيفتح اللهسبحانه له باب رحمته، فيدخل الله تعالى من شاء من عباده ليشفعوا له.

فالله سبحانه لا يسقط واسطة من ظنّ بربّه الحسنى ، وأنّه سبحانه عند حسن ظنّ عبده، فبإذن اللهسبحانه يأخذ أحدهم بيد أخيه ليدخلا الجنة معاً، و كل ما يجري في هذا الشأن هو في دائرة (قل للهالشفاعة جميعاً).ـ

غفران الخطايا والذنوب

س18: كيف نفهم ما ورد في الحديث القدسي الذي يقول: “قال الله تعالىيا ابن آدم، لو أتيتني بقرابالأرض خطايا ثمّ لقيتني لا تشرك بي شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرة” ؟

ج18يُفهم ما في الحديث القدسي من أنّ الإنسان لو ارتكب خطايا و مارس ذنوباً فيما بينه و بين ربّه، ولم تتّصل بظلم للآخرين، ثمّ لقي ربّه و هو يشهد أن لا إله إلا الله، على أنّها الأمل وأنّها المحطّة التيتزوّده بقدرة الإقلاع عن الذنوب، و لم يغفل دورها بحياته في هذا الاتجاه، فإنّ الله سبحانه لا يعدم لهذلك الأمل، و يجد ربّه كما وعد، غفّاراً رحيماً، فمن قال لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله، حرّم الله عليهالنار، و من لقي الله لا يشرك به شيئاً، دخل الجنّة.

زيارة عاشوراء

س19: زيارة عاشوراء

1- ما هو رأیکم فی زیاره عاشورا وما ینقل من الروایات فی ثواب قراءتها.

2- هل سندها عن الامام الباقر (ع) صحیح.

3- هل القول بانها حدیث قدسی صحیح.

4- هل اللعن الذی تحتوی علیه جائز.

5- الا تشمل کلمه قاطبه فی لعن بنی امیه علی ام حبیبه زوجة الرسول (ص).

6- فی القول اللهم خصّ انت اول ظالما باللعن منی وابدء به اولا ثم الثانی ثم الثالث ثم الرابع من هم الاربعه.



ج19لم تثبت صحّة اسناد الزيارات المتداولة والمقروءة الاّ زيارة أمين الله، وأمّا زيارة وارث فيمكنالإرتكان الى مضمونها فهو سليم، وما عداهما ففي أسنادهما خدش، و في مضمونهما غبش.

وأمّا ترتّب الثواب على قراءة أي زيارة فهو تابع الى مستوى نية القاريء.

فالزيارات الخالية من التوحيد الخالص هي من إختلاق غلاة الشيعة من أجل صناعة مذهب لهم بعيدعن الاسلام في عقائده أسموه (التشيعتحت يافطة عليّ وآل علي، وهم شيوخ موحدي هذه الامةالذين هم براء من كلّ الهراء الذي تنطوي عليه هذه الزيارات.

أمّا عن اللعن الوارد في هذه الزيارات، فهو لا يعدوا أن يكون هزيمة نفسية وضعفا، وقد نهينا عن لعنأي مسلم مهما إختلفنا معه.

وأمّا جهّال الشيعة الذين يسبّون أصحاب رسول الله فهم حطب معركة يقودها بعض أهل العلمالمتخندقين بخنادق المذهبية المظلمة.

وإذا كان الله قد رضي عن الصحابة وأرضاهم فهل يحق لمسلم حَسِن الاسلام أن يلعنهم ويعرّضبهم؟.

واذا كان لعن أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين جائزاً، لماذا لا يصرّح الإمام الباقر(ع)بإسمهما في الزيارة؟ فهل هذا هو الاسلوب الأمثل لديه؟ وهل هذه هي طريقته في تربية شيعته؟ إنصحّ أنّه المنشأ لهذه الزيارة أو تلك؟

وأنا دفاعا عنه وعن أي امام من أئمة أهل البيت عليهم السلام، أقول هم كجدّهم المصطفى فيأساليبه، وهم أروع من عرفت الحياة، و أصدق من دعا الى وحدة المسلمين، ولا يحيدون قيد أنملة عنهدي كتاب الله سبحانه، وسنّة جدهم المصطفى(ص)..

الإستعاذة بغير الله

س20: هل من الشرك الاستعاذة بغير الله أو الاستغاثة بغيره سبحانه ؟

ج20أن تستعيذ بشيء حجراً كان أم بشراً أم جنّاً أم ملائكة بمعنى أن تعتصم و تلتجأ إليهما إبعاداً عمّايواجهك من شرّ، وتلوذ بهما طلباً للخير من دون أن يكون الله سبحانه حاضراً في ذهنك على أنّهالفاعل الأوّل في الاستعاذة و اللياذة فهذا مما لا شك فيه أنّه شرك لأنك إنما جعلت الأشياء التي ذكرناهي الفاعل الأوّل، وهي قاصرة عن أن تكون كذلك قال تعالىو إنّه كان رجال من الإنس يعوذونبرجال من الجنّ فزادوهم رهقاً.

و قال تعالى:ـ “و لا تدع من دون الله ما لا ينفعك و لا يضّرك فإن فعلت فإنّك إذاً من الظالمين و إنيمسسك الله بضُرٍّ فلا كاشف له إلا هو“.

وإن كانت الإستعانة والإستعاذة تخلو من هذا المعنى فهي لا تشكّل شركاً في الباطن دون ماتكونالألفاض في ظاهرها شركاً.

حبُّ الآل

س21: محبّة آل بيت رسول الله(ص)

The Love of the family of the Prophet

ج21محبّة أهل البيت عليهم السلام ممّا أكّد القرآن الكريم عليها وهي من علامات الإيمان وبالخصوصمنهم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهما السلام.

ولا يترتّب أي موقف عملي في العلاقة بين مسلم وآخر، من خلال حبّهم أو بغضهم، وبغضهم ممّايحاسب عليه الله سبحانه دون سواه.

The love of the family of the messenger of God (mpbuh) in general, and specifically Ali, Fatemah, Hassan, and Hussein (mpbut), is of the matters that Islam has requested and encouraged,

but the presence of that emotion, or the lack of it, does not constitute any negative effect upon the relationship among muslims, since it is only Allah [God] who takes that into consideration in the day of Judgement.

.

طهارة الإنسان

س22الطهارة الذاتية للإنسان

ج22الإنسان طاهرٌ ذاتاً سواءٌ كان مسلماً أم غير مسلم، ومشاعره وأحاسيسه خطٌ أحمر لا يجوزخدشهما وتجريحهما، ويحرم التعرّض لشخصية أي إنسان بأيلون من ألوان التعرّض .

وهو بيده يهدر كرامته، ويغلق حقّه الشخصي من الإحترام، ويصحّ من هذه النافذة أن يُتعرّض اليهبشرط أن يتوقّف إصلاحه وردعه من خلال ذلك.

A Human is essentially “pure” and his feelings and emotions are respected.  To insult his personality or character is Forbidden, except if he gives up his character and destroys his right of respect, under the condition that dettering him is dependable on a process of stripping him of his honory rights.

العادات والتقاليد

س23:ما هو موقف المسلم من العادات و التقاليد؟

What is a Muslim’s Stance on Tradition and Customs?

ج23لايصحُّ ممارسة أي عرفٍ أو تقليد لا ينسجم أو يتعارض مع ثقافة الأديان السماوية في أعرافهاوتقاليدها، أو يتقاطع مع أعراف المجتمع الذي ننتمي اليه ولو إنتماءاً مؤقتاً، أو يرفضه الذوق الإنسانيالعام.

ولا يصحُّ الخروج أو محاربة الأعراف التي يؤمن بها اُمّة من الناس بحيث تشكّل خطّاً عامّاً في حياتهم،شريطة أن لا تشكّل ثقافة معارضة ومهدّدة لثقافة الاُمّة.

Traditions and Customs which do not contradict the education of all of the heavenly religions, a muslim is not prohibited from practicing, and actually, he is not permitted to break in the case where it represents a cultural value.  A Muslim should present the alternative to a custom or a tradition that ought to be changed, and that alternative should fit the international and religious general standards and taste

الحدّ من قدرات المرأة

س24: ما هو موقع المرأة في الحياة؟ و ما رأيكم في قيادة المرأة؟ و ما رأيكم بالأحاديث التي تحد منقدرات المرأة و كفاءاتها؟

What is your opinion on the position of women in life?  What is your opinion in her leadership? What is your opinion in the religious traditions that limit her capabilities and qualifications

ج24: موقع المرأة في الحياة هو نفسه موقع الرجل فيها، فهما سواء في بنائها وتهيئة أسباب النهوضفيها ، والمرأة شريك الرجل في كلّ شأن حياتي، من ذلك موقع القيادة السياسية والقضاء ،ومالأحاديث الواردة في حصر مهمّتها في داخل منزلها، أو منعها من مزاولة القضاء تحديداً وغير ذلكمن مهامّ الحياة الاُخرى ، إلاّ نتيجة لما تأثّر به النصّ الديني من كون مجتمعه يومئذ ذكوري، ولا يعنيالمنع جارياً الى مابعده الى مجتمعات يتساوى فيها الذكر والاُنثى في الواقع التي ذكرنا، ويتسع صدرالإسلام بما فيه من قواعد عامّة من قبيلولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروفمايجعل الإسلام يتقدّمبالمرأة شريكاً للرجل في مواقع الحياة كلّها.

Women are the partners of men in the process of building life.  For each, there are rights, and on each, there are slamicbilities.  The doors of life are wide open for the most qualified and the leadership in life is provided for the most deserving, regardless of gender, inclusive to that: religious authority, religious juristship, political leadership, or other leadership positions in society and in religion.

Thus, all rules and Islamic traditions mentioned in the books of Hadeeth [slamic traditions] which mentions women with a derogatory or depreciatory remark, fall infront of the word of God that say: “And women shall have rights similar to the rights against them, according to what is equitable” [Chapter 2 Verse 228]

الأحلام والأحراز

س25: ما هو موقف إرشاد من الأحلام و الأحراز ،وهل هناك قيمة شرعية للرقى والتمائم ؟

What is IRSHAD’s stance on practices such as: “Foretelling”, “prophesizing”, other.

ج25:الأحلام الصادقة، والمنامات لغير الأنبياء، والرؤى العاقلة، والتخيّلات في إطار الواقع ، والكشوفالروحية، والإلهامات التي هي لبعض الأنبياء رسالة ، ولغيرهم منحة من الله وكرامة، هي سياحةالروح في هذا العالم الفسيح، وإستكشاف ما تعجز المادة من إستكشافه .

وكلّ هذه إذا صدرت من غير الأنبياء، كالأولياء المتاخمين لدرجة الأنبياء في هذا الإتجاه، ومن الواصلينعبر رياضاتهم الروحية العالية، يؤخذ بها على نحو غير الإلزام فالتصديق بها غير ملزم.

أمّا الأحراز والرُّقى فقد دأب الرسول الأكرم(صعلى العمل بها فهي إذن سنّة يؤخذ بها، بالطريقةالتي لا يعوّل عليها إذا ما اُحتيج الى مراجعة طبيب.

و قد نهى رسول الله (صعن التمائم وما يحبّب المرأة لزوجها و أمثال هذه الملاعيب التي تعكّر روحيةالتوحيد في ذات المسلم، فتدعه يتعلّق بأسباب موهومة.

و بما أنّ الرقيا بالقرآن قد رخّص فيه جماعة من العلماء، إلاّ أنّ ذلك يضعف في عقل المسلم أنّ القرآننظام الحياة و دستور المسلم في كل اتجاه.

و من هنا كره بعض أسلافنا التمائم كلّها من القرآن و غيره، بناءً على هذا المعنى الذي ذكرناه.

Foretelling, Prophesizing, Predicting the future, or the practice of explaining someone’s Dreams and implying a connection to reality, IRSHAD sees that all the above mentioned practices have no impact on reality nor do they represent any legal or religious practicality. These practices are even opposed and fought if they contradict Quran and true teachings of Islam

Likewise, “Ruka” or Rukia” (the practice of reciting or writing religious verses  or forms of prayer to try and alleviate pain or suffering or to provide protection or better luck) is in the same field as the above mentioned practices; And if what have been narrated about them are proclaimed authentic, they may be a form of psychological or emotional healing in many cases.

المصطلحات المثيرة

س26: ما هو موقف إرشاد من المصطلحات التي تستخدم لوصف الغير كمصطلح الكافر أو الفاسق أوالضال أو المنافق

What is IRSHAD’s opinion about the use of expressions such as “Infidel” or “Hypocrite” or similar terms to describe

others?

ج26 : لا يجوز إستخدام المصطلحات والألفاظ المثيرة في خطابنا الديني فيما نتعامل به مع غيرالملتزمين إسلامياً أو مع غير المسلمين من مثل الفاسق أو الضالّ أو المضلّ أو المنافق أو الكافر أوالمشرك إلاّ في الحالات التي تفرضها الحرب النفسية التي تعلنها الاُمّة ضدّ من يعلن الحرب عليها.

Expressions that hurt the feelings of others should not be used in our religious speeches and rhetoric like “Kafir” (Infidel) or misguided or misguiding or hypocrite and similar words, except in the situations when it is necessary as a psychological war in the boundaries that are permitted by religion and law together

  • تعريف المسلم

س27تعريف المسلم

ج27من قال بلسانه الشهادة لله بالوحدانية ولمحمّد بالنبوة، فهو مسلم ظاهراً، ويدخل في جماعةالمسلمين، وله مالهم وعليه ماعليهم، ولا يكفّر بحال، إلاّ إذا نطق بالكفر واُقيمت عليه الحجّة في ذلك.

ولو أنكر ضرورة من ضرورات الدين لفهم معين أو شبهة، أو فسّر نصّاً مقدّساً يظنُّ أنّه الأرجح فلايخرجه ذلك عن الإسلام.

ومن قال الشهادتين بلسانه، وإعتقدها بجنانه فهو مؤمن ( قالتِ الأعراب آمنّا قل لم تؤموا ولكن قولواأسلمنا ولمّ يدخلِ الإيمان في قلوبكم).

Whoever declares with his tongue that there is no God but God and that MOhamad is a messenger of God, he has entered “Islam” and became a Muslim.  He/she has the rights of a Muslim and the responsibilities of a Muslim.  He/she should not be labelled a non-Muslim in any case except if he/she pronounced his/her renounciation of Islamic Faith and a proof is established upon that.  On the other, if he/she denies an Islamic necessary belief because of a different understanding or a doubt, or because he/she has interpreted an Islamic Text in a way he/she thinks is more feasible, then there is nothing to that, and they are not to be labelled as non-Muslims, except if they formulate a movement against the progress of the  Ummah [World Wide

Community].

الرجوع الى الفقهاء

س28: ما هو رأي إرشاد في الرجوع إلى الفقهاء؟What is the stance of IRSHAD on the religious referrence to Islamic Jurists?

ج28: كلُّ من يقدر على إرجاع الفروع الفقهية الى القواعد العامة، بمعنى إرجاع الفرع الى الأصل، فهومجتهد ورأيه حجّة يؤخذ به ، ولن يتسنّى هذا المعنى إلاّ لمن بذل الوسع والجهد في فهم النصوصقرآناً وسنّة، عارفاً بمقاصدهما، متمّكناً من وضع آليات لحركتهما حسبما يقتضيه الزّمان والمكان،وتحوّلات الحياة.

فالرجوع الى من هذه صفته العلمية، مع حسن سيرته، وظهور تقواه، فيحقُّ لمن وجد عنده حلاًّلمشكله الفقهي أن يأخذ برأيه، من دون النظر الى مذهبه، إذ انّنا نرى أنّ الأخذ برأي أي مجتهد فيأي مذهب من مذاهب الإسلام مبرء للذمّة.

Every person who is able to communicate between the bases and the branches of Islamic Jurisprudence with adequate knowledge in the Book of God [Quran] and the Sunnah [traditions and methodology] of his/her messenger [Prophet Mohamad], and in the current situations and the intricate aspects of life and the modernizing issues, in addition to his/her good background and the piety of his/her appearance, then his/her religious opinion is a legitimate, and can be followed, without consideration to what school of thought he/she belongs to.

And the choice of any of the Islamic schools of Jurisprudence as a method to worship and obey the commands of God frees the Muslim from any

responsibility, for they are streams that pour into the big river of Islam.

الخيوط و الأقمشة التي يعلّقها الناس على أضرحة الصالحين؟

س29 :هل الاعتقاد بالخيوط و الأقمشة التي تعلّقعلى الأضرحة ، أضرحة الصالحين، صحيح إذا ماعلّقها الإنسان بعنوان أنّها وسيلة للشفاء من مرضأو طريق إلى الهداية أو الحفظ من الكوارث و أمثالذلك؟

ج29: لا قيمة شرعية لهذه الخيوط، أو قطع القماش، أو أي شيء آخر يمرّر على أضرحة الصالحين، ومن يلوذ بها و يعتقد بأثرها، وهوموحّد فقد خدش توحيده.

قال الله تعالى: {و ما يؤمن أكثرهم بالله إلا و هم مشركون}

و قد روي عن النبي الأعظم ولقد ورد من السنّة النبوية المطهرة النهي المتكرّر لأمثال هذه الظواهر،منها أنّ النبي (ص): رأى رجلاً في يده حلقة من صفر، فقال ما هذه؟ قالمن الواهنة.

فقال(ص): إنزعها فإنها لا تزيدك إلاّ وهناً، فإنّك لو متّ و هي عليك ما أفلحت أبداً.

طبيعياً إذا شكّل هذا العمل خطّاً عامّاً في عمل المسلم، و مع ذلك فهو مظهر غير توحيدي، قالتعالى: “قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضرّ هل هنّ كاشفات ضرّه أو أرادني برحمةهل هنّ ممسكات رحمته“.

العقوبات الرادعة

س30: هل يمكن إقامة الحدود والعقوبات التي وردت في القرآن والسنّة الشريفة في وقتنا اللحاضر؟

ج30: العقوبات التي فرضها الإسلام في سنيه الاُولى، وفي فترات حكمه النتعاقبة كانت متمشيّة معالواقع، ومنسجمة مع ماتعارف عليه من عقوبات، وهي تمثّل عقوبة رادعة لمن تسوّل له نفسه إلحاقالضرر بنفسه أو بمجتمعه أو بالطبيعة والكون والحياة.

وللحاكم المسلم أن يفرضها كذلك في وقتنا الراهن إذا كانت مهضومة ومستساغة ومنسجمة معالعقوبات التي إنتزعها القانون العالمي الجديد الذي يحكم الناس اليوم.

ولكن مثل قطع أصابع اليد في حالة السرقة، أو الرمي من شاهق، أو قطع الرأس، أو الجلد وأمثالذلك من العقوبات التي بات أمر إستعمالها يشكّل خرقاً لحقوق الإنسان، أو أنّها تمثّل مرحلة منالمراحل التي مرّ بها الإنسان من غير عودة لكثير من قضاياه، لم تعد عقوبات يمكن إستعمالها اليوم،ولا مانع من إيجاد عقوبات رادعة غيرها، أو إستخدام العقوبات الدولية.

النطق بكلمة التوحيد

س31: هل مجرّد النطق بكلمة التوحيد من دونفهم لها كافٍ في عدم الدخول بالنار؟

ج31: نعم مجرّد النطق بكلمة التوحيد من دون فهم لمقاصدها و مضامينها يكفي في الحيلولة فيمابينه و بين النار، فمقصدها العملي هو عدم ممارسة الظلم في التعامل مع الناس في إطار وحدةالخالق الذي منع الظلم و توعّد عليه.

ومستواها الآخر وهو معرفة مقاصدها العلمية ومضامينها العبودية وهو ما يترشّح منه مواقف تكشفعن عمق الفهم للدين ورسالته الخالدة وبياناته الجامعة، وهو ذلك المستوى الذي يطلبه الإسلام كييتحرّك في واقع الناس ، و تتعيّن وظائف على من يفهم هي غير تلك الوظيفة الذي ينطقها من دونمعرفة بها.

ظاهرة التقليد

س32: ما رأي سماحتكم في ظاهرة التقليد التيعليها الشيعة اليوم ؟

ج32: التقليد هو رجوع الجاهل بالأحكام الشرعية الى العالم بها، وبهذا فهو ضرورة عقلية ( فإسألواأهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)

وقد فرضت هذه الظاهرة نفسها بعد الغيبة الكبرى كما يقولون.

ولقد أجاد الشيعة حين فتحوا باب الإجتهاد ليتوافروا على كمٍّ هائل من الإثارات الفقهية التي تلامسحاجة الناس، ليجدوا حلاًّ لمشكلهم الفقهي.

وللمكلّف في حدود هذا المنجم الكبير من الإجتهادات والآراء التي رفدونا بها فقهاء الطائفة أن يأخذ منأي أحد منهم ، ولا يلتفت الى مقولة الأعلم ، فالأخذ برأي كلّ فقيه مبرء للذمّة.

طبيعياً دائرة حدود التقليد في المسائل الحديثة المستجدّة، وفي المسائل غير الواضحة، أمّا مايفهمهالمسلم من المسائل الواضحات، أو من البديهيات فلا تقليد فيها.

ناهيك عن التقليد في إصول الدين فيمتنع على المسلم أن يقلّد فيها، وكذلك في المسائل التي لاتشكّل أحكاماً فقهية صرفة كالأخلاقيات.

مصلحة الفرد أم مصلحة الاُمّة

س33: ماذا لو تعارضت مصلحة الأمة مع مصلحة الفرد و القوانين الوضعية؟

.

ج33: من الطبيعي أن نقدّم مصلحة الاُمّة على مصلحة الفرد، والفرد هنا يدفع ضريبة إنتماءه للاُمّة،وعلى القائمين على تفعيل النظام الوضعي في بلدٍ مسلم أن يراعوا قيم الاُمّة ومصالحها، فإنإستهتروا بقيمها، فعلى الاُمّة أن تقف بوجههم سلميّاً، إن كان ذلك يفيد علاجاً ولو مؤقتاً

وإن كانت القوانين الوضعية لا تتعارض مع مصالح الاُمّة وقيمها، فليس صحيحاً الخروج عليها، والتمرّدعلى قراراتها، أو إختراقها وزعزعتها.

If two choices contradicted each other, the one that should be picked is the one that has more advantage for the Ummah (the World Wide Community).  If the individual advantage contradicted the advantage of the Ummah, then the priority goes to the advantage of the Ummah, and the individual pays the “tax” of being a part of the Ummah.

And every human made law should be respected if people have agreed to the fact that this law is for their advantage and serves their well being in any of the different aspects of life, and it is not

allowed to conspire against that law or try to find any loop wholes in it to be obstructed

تفسير

بسم الله الرحمان الرحيم

س35: روي عن الامام الصادق (عكما في الكافي للكليني وغيره من كتب التفسيرأنّه قالحينسؤل عن تفسير البسملةالباء بهاء الله ، والسين سناء الله ، والميم مجد الله.

ج35: ومعلوم أنّ الحروف لا تُفسّر لوحدها اذ لا معنى لها من دون اجتماعها مع بعضها البعض.

وإذا كان الامام الصادق (عقد تفاءل فلا يعنى ذلك تفسيراً لها ، وإن كنت استبعد ذلك منه ومن غيرهمن أهل العلم ، لأنّي اقدّر أنّ ذهن الصادق(عليس مترفاً.

كما يتمكّن كلّ واحد أن يفسّر الباء والسين والميم بما شاء على هذه الطريقة.

ولو لم نكن نسبعد ذلك فماذا نقول لمن يقول في الباء بغض الله ، وفي السين سخط الله ، وفي الميممحنة الله!.

وهكذا يفسّر كلّ واحد منّا بحسب ثقافته ووضعه النفسي ، وبهذا فهل يحصل المسلمون على تفسيرلكتابهم يليق به وبهم؟!

هذه الطريقة الرمزية في التعامل مع كتاب الله تعالى تفقده معانيه الروحية والعلمية من دون شكّ .

الحجّة بعد الرسل

س36س36ما معنى قوله تعالىلئلاّ يكون للناس على الله حجّة بعد الرسل؟

ج36: منعت الآية المباركة إدّعاء أيّة حجّة بعد الأنبياء عليهم السلام، إذ أنّ كلّ نبي يبعثه الله الى قوميكون فيهم نقطة المركز التي تدور عليها رحاهم، فهو القدوة، وهو الاُسوة لهم، وقد عصمه الله منالزلل والخطأ في دائرة تبليغه رسالة ربّه، فالنبيّ وحده هو حجّة الله على الذين بعث اليهم .

وقد جاء نبينا محمّد(ص)بعد فترة من الرسل بكتاب من عند الله ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا منخلفه ، وهو المعجزة الكبرى الذي قدّمه بين يديه ،فبلّغه الاُمّة وأدّى ماعليه وكان الحجّة فيما بين اللهوعباده.

يقول عليّ بن أبي طالب (عولقد تمّت بنبيّنا محمّد حجّته,

وأمّا بعد رحيله(صفالحجّة فيما بين العباد وبين ربّهم فهو العقل الفطري الطبيعي الذي هو مناطالتكليف ، يقول الامام الصادق (عحجّة الله على العباد النبيّ ، والحجّة فيما بين العباد وبين الله العقل

سيخان الأرض

س37: ورد في كتاب الكافي للكليني وغيره من كتب الأخبار أنّ الأرض لا تخلو من إمام ولو بقيت منغير إمام لساخت بأهلها.

ج37: أقول فإن كان المعني بالامام هو النبيّ فها نحن نعيش من دونه كشخص ولكنّا نعيش آفاقرسالته ، حاضراً في أذهاننا ويقود حركة فكرنا ، ولا يصحّ منّا إسلامنا من دون الإيمان به ، ولم نشهدسيخانا للأرض عند عدم حضوره!.

وان كان المقصود بالامام هو الامام من أهل البيت الكرام وهو الذي تروّج له الأخبار ، وتحديدا المهديالمنتظر منهم ، فما شأن سيخان الأرض به؟ وما ربط الأرض والبيئة والطبيعة والكون به ( ألم تر أنّ اللهسخّر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض الاّ بإذنه ).

وهل نفترض وجوده الأبدي مع الإنسانية حتّى تمتنع الأرض من السيخان!.

وإذا كانت مهمّة الإمام هذه فلماذا لايكون حضوره الشخصي مانعا من خلاف شيعته وتفسيق أحدهمللآخر، وقد ترى عند عالية شيعته من التشاحن مالم تجده عند عامّة الناس .

وتماشياً مع من يعتقد حضوره ولكنّه غائب عن الأنظار فهل هدأت الأرض من إلقاء حممها وإنفجاربراكينها وشحّة ماءها والجدب الذي أجاع أبناءها والزلازل التي تحصد كلّ عام آلاف البشر كلّ ذلك حدثويحدث أمام مرآه ومسمعه.

وإذا كان المقصود بالسيخان هو السيخان المعنوي فقد سبقه من هو أفضل منه جدّه المصطفى وآبائهالطاهرين ولم يقف مسلسل الإنحدار المعنوي .

نحن أسماء الله الحسنى

س38: ورد في الأحاديث التي تروى عن أهل البيت (عبأنّهم قالوا نحن أسماء الله الحسنى.

ج38: يكفي في ردّ هذه الأخبار ما ورد في كتاب ربّنا سبحانه ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ).

فلقد استعرض القرآن الكريم بعضا من هذه الأسماء مثل الرحمان ، الرحيم ، الخالق ، الباريء ، المصور، الملك ، القدّوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبر .

وما ورد عن أهل البيت فيما يتعلق بكونهم رازقين ، أو خالقين ، أو هم عين الله في خلقه ، أو هم يدالله المبسوطة بالرحمة على عباده ، فهو محضّ كذب عليهم ، وهم براء من هذا الهراء.

الافتاء بالرأي

س39: ورد في الكافي للكليني وغيره من كتب الأخبارأنّ الامام الصادق(عقال لأحد تلامذته : إيّاكوخصلتين ، ففيهما هلك من هلك ، إيّاك أن تفتي الناس برأيك ، أو تدين بما لا تعلم .

ج39: إنّ الافتاء بالرأي يقوم على غير قاعدة شرعية ، وعلى مقاييس شخصانية لا ترتكن الى القواعدالواردة في الكتاب أو السنّة ، بمعنى أنّه غير عملية الاجتهاد.

فعملية الإجتهاد التي هي إستفراغ الجهد في إرجاع الفروع الى القواعد الكلية في الكتاب والسنّة،وقد يتوسّع الى الإجتهاد في مقابل النصّ بمعنى أن لا يتحوّل الحلال حراماً ولا الحرام حلالاً.

ولاينسحب القول بالرأي على الافتاء في المسائل الشرعية فحسب ، بل يشمل تفسير القرآن الكريم ،ونصوص السنّة المطهرة، تفسيراً يبقي الرأي الجديد في دائرة الدين غير خارج عنه أو حائد عن اُصولهالمعهودة، بما ينسجم وتحولات الزمن وطبيعة المكان .

مشكلات الأسرار

س40: بعض الأخبار التي تروى عن أهل البيت (ععلى شكل رموز وألغاز ، ويقول بعض المعلّقينعليها أنّها من مشكلات الأسرار ، ومتشلبهات الأخبار ، ولا يعلم ذلك الاّ الله والراسخون في العلم ،ويقصدون بذلك أهل البيت.

ج40: أهل البيت (عهم أتباع القرآن الكريم ، ومن تلامذة الرسول الكريم محمّد (ص),

ولقد قال الله عن خطابه المجيد بأنّه (بيان للناس ) ( ولقد يسّرناه للذكر فهل من مدّكر ).

وقال تعالى وهو يبيّن بعض خصائص الأنبياء (وما أرسلنا من رسول الاّ بلسان قومه ).

فلماذا يتكلّم الامام بالالغاز والرموز ، وبما لا يفهمه الناس ، وهل العالم من يتكلّم بذلك؟!

واذا تكلّم الامام للخاصّة بالرموز والالغاز ، فما هي وظيفة الآخرين المعاصرين له منها؟ بل وما قيمتهاالعلمية ، وأثرها الديني والعملي عندنا؟!.

ولماذا يصرف البعض الجهد من أجل طبعها أو التعليق عليها ، أليس هي من مشكلات الأسرار ،ومتشابهات الأخبار؟!

وهل لنا أن نقيّم أهل البيت عليها ، فنجعلهم الراسخين في العلم دون سواهم؟!.

ماخالف العامّة ففيه الرشاد

س41: ورد في الأخبار التي تروى عن أهل البيت(عمن أنّهم قالواأنّ ما خالف العامة ففيه الرشاد.

ج41: واُقدّر إن صحّ ذلك القول منهم فيعنون بالعامة اُولئك الذين يؤيدون بني امية ويروّجون لهم بالحقّوبالباطل.

إذ أنّ معاوية بن أبي سفيان نشط في تجنيد محدّثين كذّابين ووعاظ سلاطين يعملون بأجر في خلقأحاديث وصنع روايات كاذبة سعياً منه لإسدال الستار على أهل البيت وماورد عن النبيّ الأكرم(ص)في الثناء عليهم والإشارة اليهم على أنّهم مصداق الصدق في حركة الاُمّة والدين.

ومن هنا فكلّ حديث يخالف ماعليه هؤلاء الكذّابين ووعاظ السلاطين ففيه الهدى والرشاد .

وبالتأكيد أنّ مقولة ما خالف العامة ففيه الرشاد على إطلاقها ليست علمية ، وهي تتقاطع مع قول ربّناالذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ).

ولوتعاملنا مع هذه المقولة على إطلاقها ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم ، وماوافقهم موافق لكتاب الله ، أنأخذ به أم نردّه؟!

ثمّ لو روي عن أهل البيت(عما يخالف كتاب الله ، أنأخذ به أم نرده.!

فالقاعدة التي علّمنا إيّاها الإمام الصادق(عهي ما خالف كتاب الله فهو زخرف ، وفي قول آخر نضرببه عرض الحائط كلام نتعامل به مع كلّ خبر سواء روي عن أهل البيت أم عن غيرهم مهما كان ، ذلكأنّ كتاب ربّنا هو الفيصل الأوحد والمقياس الحقّ الذي يقاس عليه تراث المسلمين عموماً.

توبة أصحاب البدع

س42: هل أنّ الله سبحانه لا يقبل التوبة من صاحب البدعة؟.

ج42: نحن محكومون بما ورد في كتاب ربّنا الذي يؤكد قبول توبة التائب من أي موقع جاء : إنّ الله لايغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.

فبهذا المعنى إن تاب صاحب البدعة فإنّ الله يتوب عليه،إذ الإبتداع ليس شركاً، والشرك ليس ذنباً حتّىيشمله الغفران، فهويخرج صاحبه عن الدين، وصاحب البدعة إنّما يأتي بها في داخل دائرة الدين، فإنأقلع عنها وتاب عمّا إقترفه في هذا المجال فبحسب الآية المباركة يشمله الغفران.

ويخضع صاحب البدعة لتقييم أهل المعرفة بحجم بدعته ومدى تأثيرها في الواقع.

فليس لصاحب البدعة أن يكتفي بإعلان توبته لله فهذا مايخصّ علاقته بربّه، ولكن عليه أن يعلن خطأه،ويستميح الواقع من معرّة ذلك الخطأ، ويدعوا الذين تأثّروا ببدعته للرجوع عنها.

مخلوقون من نور

س43: ورد في كتب الأخبار أنّ النبيّ وأهل البيت مخلوقون من نور؟ .

ج43: لقد ذكر القرآن الكريم خلق آدم (عمن أنّه خلق من طين كأوّل خلق خلقه الله سبحانه وكنموذجإنساني ، وأنّ غيره خلقوا من النطفة التي تتمّ من خلال الزواج، والمسيح (عخلق من النفخة التيهي من روح الله سبحانه، وأنّ الملائكة مخلوقون من نور، والجنّ مخلوقون من مارج من نار، ولميتعرّض القرآن الكريم الى حالة اُخرى.

فإذا كان محمّد وآل محمّد من البشرفأعتقد أنّهم خلقوا من النطفة التي خلق الله الخلق بها.

مشكلات الأسرار

س44: يروى عن أهل البيت (عمنظومة روايات ضمّها الكافي للكليني ومن على شاكلته من كتبالأخباروهي تنطوي على رموز وألغاز ، ويقول بعض المعلّقين عليها أنّها من مشكلات الأسرار ،ومتشلبهات الأخبار ، ولا يعلم ذلك الاّ الله والراسخون في العلم ، ويقصدون بذلك أهل البيت لأنّهميفسّرون الراسخين في العلم بهم حصراً.

ج44: أهل البيت (عهم أتباع القرآن الكريم ، وتلامذة الرسول الكريم محمّد (صوفي أبياتهم نزلالكتاب المبين، الذي قال الله عنه بأنّه (بيان للناس ) ( ولقد يسّرناه للذكر فهل من مدّكر ).

وقال تعالى وهو يبيّن بعض خصائص الأنبياء (وما أرسلنا من رسول الاّ بلسان قومه ).

فلماذا يتكلّم الامام بالالغاز والرموز ، وبما لا يفهمه الناس ، وهل قيمة العالم من يتكلّم بذلك؟!

واذا تكلّم الامام للخاصّة بالرموز والالغاز ، فما هي وظيفة الآخرين المعاصرين له منها؟ وما قيمتهاالعلمية ، وأثرها الديني والعملي عندنا؟!.

ولماذا يصرف البعض الجهد من أجل طبعها أو التعليق عليها ، أليس هي من مشكلات الأسرار ،ومتشابهات الأخبار؟!

وهل لنا أن نقيّم أهل البيت(ععليها ، فنجعلهم الراسخين في العلم دون سواهم؟!.

الحجّة بعد الرسل

س45ما معنى قوله تعالىلئلاّ يكون للناس على الله حجّة بعد الرسل؟

ج45: منعت الآية المباركة ادّعاء أيّة حجّة بعد النبيّ (ص).

فالنبيّ هو حجّة الله على الذين بُعث اليهم ، وجاء هذا النبيّ بكتاب من عند الله ، لا يأتيه الباطل من بينيديه ولا من خلفه ، وهو المعجزة الكبرى الذي قدّمه بين يدي اُمّته .

يقول عليّ بن أبي طالب (ع): ولقد تمّت بنبيّنا محمّد حجّته.

والحجّة الثانية بعد رسول الله هو العقل الفطري الطبيعي الذي هو مناط التكليف .

يقول الامام الصادق (ع): حجّة الله على العباد النبيّ ، والحجّة فيما بين العباد وبين الله العقل.

معرفة أئمة أهل البيت

س46: لقد ورد في كثير من الأحاديث من أنّه لا يكون المسلم مؤمنا حتّى يعرف الله ورسوله والأئمةكلّهم وإمام زمانه.

ج46: نعم وردت أحاديث كثيرة في هذا الاتجاه ،وقد نصّ القرآن الكريم على اُصول العقيدة الصحيحةمبيّناً أركانها كقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي اُنزل من قبل ومن يكفربالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلّ ضلالا بعيدا.

لم نجد في هذه الآية ولا في غيرها ذكراً لإمام ولاما يشيرالى إرجاع المسلم الى شخص غير شخصالرسول الأكرم (صالذي أرسله الله نبيّاً ( فإن تنازعتم في شيء فردّوه الى الله والرسول ).

وأئمة أهل البيت (عيعرفون ذلك قبل غيرهم فهم شيوخ موحدي هذه الامّة.

ولا أعتقد صدور الكلام منهم بتوجيه الناس الى وجوب معرفتهم بالشكل الذي تذكره الروايات .

وأمّا إمام الزمان ، فإمام المسلمين في كلّ أزمانهم هو نبيّهم (صلا غير .

وإذا كان المقصود منه الإمام المهدي عليه السلام فهو مغيّب وحين خروجه فيملأها عدلاً وقسطافيكون حينئذٍ إمام زمان.

القيّمون على القرآن

س47: ورد في الخبر أنّ عليّا(عوأئمة أهل البيت هم القيّمون على القرآن فهو ليس حجّة من دونهم.

ج47: أعتقد أن لا قيّم على القرآن الكريم ، فالقرآن هو كتاب الله أنزله على صدر نبيّه ليبلغه الناس كافّةوليكون منهجاً لهم في الحياة.

فليس هو كتاب عليّ بن أبي طالب ولا كتاب أبنائه ، وليس هم وحدهم من يفهمون مقاصده ومعانيه .

فقد أطلق الله سبحانه عقل الانسان لاكتشاف أسراره ، واستنباط أحكامه ، واستلهام معانيه.

واذا كان الشيعة يعتقدون قيمومة الائمة (ععلى القرآن فلماذا أصبحوا شيعا وأحزابا وطرائق متعددةالأفهام حول كتاب الله نصوصاً وتفسيراً وتأويلاً.

واذا كان الامام قيّما على كتاب الله أفي حضوره أم تمتدّ قيمومته الى مابعد وفاته؟

وهل للشيعة القائلين بهذا الوهم العمل بالقرآن في حال غيبة الامام المهدي (عجأم أنّه كتاب بركة؟.

واذا كان الامام قيّماً على القرآن حتّى بعد وفاته فأين تفسيراته وتأويلاته وفهمه لكتاب الله؟ ولماذا يوجدللشيعة تفسيرات عديدة ؟.

لا تخلو الأرض من امام

س48: ورد في الأخبار أنّ الأرض لا تخلو من إمام ولو بقيت من غير إمام لساخت بأهلها.

ج48: أقول فإن كان المعني بالامام هو النبيّ فها نحن نعيش من دونه كشخص ( وما محمّد إلاّ رسولقد خلت من قبله الرسل فإن مات أو قتلهذا الرسول الذي هومحمّد فإنّ رسالته لن تموت فهيباقية، ويبقى محمّد نبيّنا نعيشه في أذهاننا ويقود حركة فكرنا ، ولا يصحّ منّا إسلامنا من دون الايمانبه ، ولم نشهد لعدم حضوره معنا جسدياً سيخاناً للأرض.

وإن كان المقصود بالامام هو من أهل البيت الكرام وهو الذي تروّج له الأخبار ، وتحديدا المهدي المنتظرمنهم ، فما شأن سيخان الأرض به؟ وما ربطه بالأرض والبيئة والطبيعة والكون ( ألم تر أنّ الله سخّرلكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض الاّ بإذنه ).

فلم يكن الإمام مانعا من خلاف شيعته وتفسيق أحدهم للآخر وذلك في حال حضوره معهم فكيف لهأن يكون مانعا من إهتزاز الأرض وسيخانها كونياً ومجتمعياً؟!

الامام تحدّثه الملائكة

س49: هل المقصود من المحدّث هو الامام الذي تحدّثه الملائكة وهل يبقى فرق بينه وبين النبيّ أوالرسول؟

ج49: لقد حصر الله تعالى الوحي بالنبيّ فقط ، وليس هناك من يوحى اليه سواهقال الامام عليّ (ع)بعث الله رسله بما خصّهم به من وحيه.

وقال(ع): مؤبنا رسول الله (صبأبي أنت وامّي يارسول الله لقد إنقطع بموتك مالم ينقطع بموت غيركمن النبوة والأنباء وأخبار السماء.

ولقد أدخل الغلاة في التراث الاسلامي مقولة المحدّث ليخفّفوا من وزن النبوة ، حتّى روواأنّ الآيةالشريفةوما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي (ولا محدّثإلاّ اذا تمنى ألقى الشيطان في اُمنيته ،فأزادوا ولا محدّث تحريفا للقرآن الكريم.

والرأي الشيعي يرفض مثل هذه المدخولات ويعتبر الإيمان بها كفراً.

يقول الشيخ المفيد (رض): انّ نزول الوحي يمتنع على الائمة لأنّ الاجماع إنعقد بعدم نزول الوحيعليهم ويتفق علماء الشيعة على أنّه اذا ظنّ أحد بنزول الوحي بعد النبيّ على أحد فقد كفر.

هل الشرّ من الله ؟

س50: في حديث قدسي أورده الكليني في كافيه أنّ الله تعالى يقولخلقت الشرّ وأجريته على يديمن اُريده فويل لمن أجريته على يديه.

ج50: أعتقد أنّ تقدير الخير وتقدير الشرّ من الله تعالى ، وفعل الشرّ ليس منه سبحانه.

فلم يخلق الله تعالى إبليس وعاءاً ممتلئاً شرّاّ ، بل إبليس هو الذي إختار بمحض إرادته طريق الشرّوالضلال.

ولم يجعل الله سبحانه الأنبياء عليهم السلام هادين و خيّرين بالدرجة التي هم عليها ، بل هم الذينجاهدوا النفس والهوى ، فصاروا خيّرين ، إلاّ ما كان منه سبحانه لهم أن عصمهم من الخطأ والزلل فيدائرة تبليغ رسالاته خاصّة.

وكيف يعقل أنّ الله يخلق الشرّ ويجريه على يدي من يريد ويعاقبه على فعله؟!.

لقد أثار الكفّار على أنّ كفرهم هي بإرادة الله تعالى من أجل تبرير كفرهم ، وقد ردّ الله سبحانه هذهالمقولة بقوله : وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء.

وقد إحتفظت كتب الأخبار بمنظومة أحاديث توحي بالجبر الذي يشير بظلم الله تعالى الله عن الظلمعلواً كبيراً ، من هذه الأحاديث أنّ السعيد سعيد في بطن اُمّه ، والشقي شقي في بطن اُمّه.

بيد أنّ كلّ هذه الامور كسبية وهي بقدر من الله سبحانه لا بفعل منه كما إتضح.

أجوبة متناقضة

س51: ورد في بعض الأخبار أنّ الأمام الباقر(عيجيب على سؤال واحد بجوابين مختلفين متناقضينللحفاظ على شيعته.

ج51: لا أجد ضرورة أنّ الباقر أوغيره من أئمة أهل البيت (عمن يعمل ذلك بذريعة الحفاظ علىالشيعة ، فهل الشيعة اُمّة بحالهم معزولة عن الامّة الاسلامية ، وهل لهم دين آخر غير دين الاسلام؟!

وأعتقد أنّ الامام الباقر(عينأى عن أن يجيب بجوابين متناقضين لسؤال واحد، لأنّ ذلك يوزّع الأفهامويشتت الآراء ، ويجعل من الشيعة على أقلّ تقدير فرقاً ومجاميع لا تلتقي على رأي ، والله سبحانهيقول : انّ الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء.

أضف الى ذلك كيف ينظر الشيعة فيما بعد لو تلاقوا بينهم الى إمامهم الذي يجيبهم بأجوبة متناقضة؟!

وهل الإمام مجبور على مثل هذه الممارسة التي تترك أثراً سلبياً في التراث العلمي لدى الشيعةعلى الأقل؟!.

أعلم بما كان وبما يكون

س52: كيف نتعامل مع الحديث الذي يرويه الكليني في كافيه من أنّ الله عزّ وجلّ أخبر محمّدا بما كانمنذ كانت الدنيا وما يكون الى انقضاء الدنيا وأخبره بالمحتوم من ذلك.

ج52: لقد كشف لنا شيخ موحدي هذه الامّة عليّ بن أبي طالب (عحدود المعرفة النبوية وكيف أنّها لاتقترب من دائرة علم الله التي تتلّخص في خمسة أشياء تعرّضت لها سورة لقمان فيقول انّ الأشياءالخمسة التي في سورة لقمان علمها خاصّ بالله ولا يعرفها أحد حتّى الأنبياء والأوصياء، وهي :

إنّ الله عنده علم الساعة

وينزّل الغيث

ويعلم ما في الأرحام

وما تدري نفس ما ذا تكسب غداً

وما تدري نفس بأي أرض تموت

وكيف يعلم النبيّ علم ماكان ومايكون وهو لا يعلم عدّة أصحاب الكهف حين سؤل عن عدّتهم ( قل اللهأعلم بعدّتهم ) وماذا قال القرآن حكاية عنه (ص) ( قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم الاّالله ).

كلّ هذه النصوص تكذّب أمثال هذه الأخبار التي يروّج لها الغلاة.

كذّابون

على طريق التقريب بين المذاهب الإسلامية

س53: ما هي رؤية سماحتكم بمشروع التقريب بين المذاهب الأسلامية وخصوصاً في هذه المرحلةالحرجة من تأريخ أمتنا التي تشهد أنقسامات وخلافات وصراعات مذهبية خطيرة ، وأصرار البعض منالوعاظ ورجال الدين من النفخ في نار الطائفية

البغيضة ، وما هي النصيحة التي تقدموها لتحصين أبنائنا في المهجر وحمايتهم من

السقوط في هذه المتاهات وضياعهم في هذا النفق المظلم والخطير والذي سيؤدي الى مزيد منالتمزق والفرقة فيما بين المذاهب الأسلامية

ج53: المذاهب التي ينتمي الى رأيها الفقهي أغلب المسلمين إنما تمثل محطّات تزود الناس بحلولالمشكل الفقهي،وليس فقه أي مذهب منها هو فقه الإسلام.

وأئمة المذاهب رضي الله عنهم إنما كانوا فقهاء في الدائرة الأسلامية الكبرى فليس رأي الفقيه منهمبمفرده هو رأي الأسلام،

والمسلم الذي لايستطيع الأجتهاد في أحكام الشرع الحنيف عليه أن يرجع الى أحد هؤلاء الأئمة أوالى أي فقيه معاصر ، فالملاك هو رجوع الجاهل بالأحكام الى العالم بها.

ففقه المذاهب الإسلامية جميعها هو منجمٌ فقهي يأخذ المسلم منه حلول مشكله،فالفرادة في الرأيوالذي هو الإسلام بعينه ماقاله النبيّ(صوحفظه المسلمون عنه مباشرة، وتلك مرحلة عاشهاالمسلمون أيام حياة رسول الله(ص).

أما بعد رحيله (صفلدى المسلمين مجموعة روايات وأحاديث إختلف المجتهدون في أغلبها سنداًومضموناً.


ولقد عملت

بعض الأجهزة على أمتداد الخلافة الأسلامية على ترويج رأي هذا الفقيه وذاك، مما

تشكل في العقل العام أنّ هذا الفقيه دون سواه الناطق الرسمي عن الشريعة

فنشأت المذاهب وهي تتصارع وأنبرى المتمذهبون يتخندقون فيها

وغدت شيعاً وأحزاباً ومحطات يخشى منها على الأسلام نفسهبيد أن أئمة

الأسلام وفقهاءه من مثل الباقر والصادق عليهما السلام والشافعي وأبي حنيفة ومالك

وأبن حنبل رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا أخوة يعملون للأسلام ولا يرون أنهم يتكلمون

عن الله بل هم يقدّمون للناس بما جادت به عقولهم وما توصلت اليه أفهامهم،

لما ورد في كتاب الله وسنة رسوله .

وبكل تواضع كان الشافعي رحمه الله يقول ( رأي صحيح يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصحّة

وكان الأمام مالك

يقول: ( كل واحد منا يؤخذ منه ويرد إلاّ صاحب هذا القبر

” أي رسول الله) “

وكان

الصادق(عمن أهل البيت الذي تربع على كرسي الأستاذية في هذا الأتجاه يقولإذاتكلمت بمسألةفإسئلوني أين هي في كتاب الله ، ويرى القرآن الكريم هوالمرجع

للقضايا.

فيقول: ( ما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فأضربوا به عرض الحائط

وإذا كان أئمة الفقه هذا حالهم فكيف نصف حالنا اليوم ؟

هل القرآن هو الحاكم

في الفصل في قضايانا ، هل هو موضع أهتمامنا ، هل هو مرجعنا في أخلاقنا وسلوكياتنا ،

هل إنطلقنا منه لتوحيد صفوفنا ، هل جعلناه قبلتنا التي نطوف حولها ، هل هو محور

تفكيرنا ، هل نحن قرآنيون مسلمون من دون ذيل، أي مسلمون سنة أو مسلمون شيعة؟!

هل أدركنا ولو لمرة واحدة أنّ هذا الصراع الطائفي والتمزّق المذهبي وزرع البغضاء هو قوّة لعدوالإسلام المتربّص به الدوائر؟
هل أصدقنا الواقع بحرق أوراقنا الصفراء التي تؤجّج الفتن

أم أنّنا جعلناها معلماً

لحركتنا ومفخرةً رغم سوئها وضررها على الأسلام؟

هل أعتذرنا عن الأخطاء التي حدثت في التأريخ؟


بكل صراحة أننا نكذب ونكذب إذا لم نهذّب إن لم نحرق المنابر التي تدعوا الى التخندق السلبي

بخنادق المذاهب

وأن نمسح ما في الأوراق المسمومة من أفكار وطروحات متأزمة

وأجد أنّ

في الأمة نخباً ملّت من الترهل الذي عليه المؤسسة الدينية سواء كانت شيعية أم سنية

وأرى أن الأوان قد آن للدخول في الأسلام والأستفادة من أي جهد في الدائرة الأسلامية

الكبرى، ولا شأن لنا بدوائر المذاهب والطوائف الصغيرة .

وأن التقريب بين المذاهب إن

كان فكرياً فمرجع المذاهب كلّها الى كتاب الله وسنة رسوله ، وإن كان التقريب فقهياً

فليس هناك حلاً إذ الأختلاف في الأطار الفقهي هو ممارسة أجتهادية ونتاج ذهني ليس

بالضرورة أن يحصل في مسألة ما إتفاق حتى بين مجتهدي المذهب الواحد .

وإن كان التقريب على المستوى السياسي فهذا واجب كلّ مسلم

(أنما المؤمنون إخوة)) ( ومن لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم).

فرحة الزهرة

س54: يقولون أن في التاسع من ربيع الأول أن الزهراء عليها السلام

فرحت بموت الخليفة عمر بن الخطاب وسمي هذا اليوم (بفرحة الزهرة) فهل لهذا اليوم

مراسم خاصة؟


ج54: الزهراء فاطمة بنت محمد عليها السلام ماتت قبل مقتل عمر بن

الخطاب(رض) على يد المجوسي (أبو لؤلؤة) بأثنى عشر سنة، ثم لماذا الزهراء لو أفترضنا

بقائها حية الى هذا اليوم أن تفرح بمقتل عمر؟

ليس مستوى الزهراء وهي بنت نبي

الأسلام أن تفرح بمقتل خليفة المسلمين

على يد مجوسي حاقد على العرب والمسلمين. .

ولقد قرأت ورأيت أيضاً عن (فرحة الزهرة) الترهات والأساليب البشعة التي يمارسها

جهلة الشيعة في هذا اليوم ، بجنب سكوت الأعم الأغلب من علماء الشيعة مع الأسف .

، وما الأيام الفاطمية المصطلح عليها والتي

تطورت بشكل مثير في أيامنا هذه إلا حلقة من حلقات التوتر بين المسلمين ومساهمة

يقوم بها أعداء الأمة بضرب الأسلام في أصوله الجامعة حتى تبقى المذهبية

بمراسمها الجاهلة تمشي على رجلين.

ومن المثير أيضاً أن بعض

المراكز في أمريكا تشجع مثل هذه الأيام التي لا شيء يوحى فيها إلا ما يشاع خطأً أن

عمراً قتل الزهراء وأسقط جنينها محسناً ، فبدل من أن يعرضوا الأسلام بأبهى صوره

ويعلموه لأجيالنا في المهاجر ، فإنّهم يخندقوهم في خنادق الطائفية الحاقدة.

ومن هنا فأنا

أنصح أبنائي وأخواني أن يهتموا بتوحيد الصف، ونبذ الفرقة، والصدق في الأدعاءات ، فليس

من مستفيد في إثارة مثل هذه الخزعبلات إلا أعداء الأمة.

وعلى المراكز وأئمتها أن

يعملوا على تفعيل القواسم المشتركة فيما بين

المسلمين .

مبدأ الحفاظ على حياة الناس

س55 – هل الدفاع والحفاظ عن حياةالناس واجب شرعي على الجميع القيام به بغض النظر عن ديانةالناس الذين ندافع عنهم؟

ج55- الدفاع عن حياة الناس مهما كانت ديانتهم واعراقهم والوانهم

واجب شرعي.

الاسلام دين انساني وهو نظام اجتماعي يتطامن في دائرته كل الناس، ولقد ضرب أروع الأمثلة فيهذا الإتجاه،

فهو يوفر الأمان لمن يعيشون في ظل نظامه السياسي، ويدعو ابناءه في عملية

تثقيف شاملة في الحفاظ على أمن الناس جميعهم والدفاع عن اعراضهم واموالهم ونفوسهمواوطانهم ورفع الظلم عن المظلمين ودفع الموت عن الذين يهددهم الموت بكل أوجهه وصوره.

التعاون مع الجيش الأمريكي
س56: هل التعاون مع الجيش الامريكي والمخابرات الامريكية بقصد

مكافحة الارهاب داخل العراق والحفاظ على حياة الناس واجب شرعي ؟

ج56

الارهاب لاهوية له ولادين، وربط الارهاب بالاديان مدان، فالاديان السماوية هدفها نشر

الأمن والأمان وتطامن الانسان.

وما يحدث في العراق من إرهاب، فمن أسبابه السياسات التي تحكم الواقع

والتي تتعمّد ذلك ، وكذلك الجهل الرابض على العقول، والقهر والحرمان والجوع والاضطهاد الذي خيّمطويلاً على الفرد العراقي، مضافاً الى الخطاب الديني

الهزيل بكلّ دوائره الدينية والمذهبية، وأمّا الوجود الامريكي غير المرغوب به فهو سبب تثوير سلبيواضح.

فأذا شخّص المسلم المدرك تلك الاسباب مجتمعةً، واضعا مصلحة

شعبه أمام ناظريه، ولديه نظرية رفع لتلك الأسباب، وآليات وطنية عراقية، ولا يستبعد إستشارة أهلالشرع الواعين، وإحرازه صدق الجيش

الامريكي والمخابرات الامريكية أنهما يسعيان لرفع تلك الاسباب على مستوى القرار والممارسة،فحينئذ يجوز له العمل

في صفوفهما.

أجهزة المخابرات العالمية
س57- هل التعاون من قبل المهاجر المسلم في أمريكا واروبا

مع أجهزة المخابرات الامريكية والفرنسية والانكليزية والالمانية على سبيل المثال

بقصد حفظ حياة الناس والدفاع عن الأمن والسلام واجب شرعي ؟

ج57

المسلم المهاجر الى تلك الديار مأمور بتنفيذ قوانينها ولايجوز له العمل ضدّها او

خلافها .

فالاسلام يؤدّب أتباعه أن يكونوا إيجابيين مع أي واقع يعيشونه، فلازال المسلم في

عقد وميثاق مع هذه الدولة أو تلك مهما كان نظامها السياسي أو الإجتماعي ، فهو ملزم شرعاً بالوفاءبالعقود والمواثيق.

ومن أوجب الواجبات على المهاجر المسلم ان يرعى الأمن والسلام في

البلد المضيف وعليه أن يتحرك مع موسساته بما يوفر هذا الأمن.

التشيع كما أفهمه

التشيع كما أفهمه

يحتوي الكتاب على مجموعة تاملات في موضوع لطالما كثر الحديث حوله الا وهو موضوع  الامامة واجد انها نقلة او جولة سريعة ولكنها ممتعة لانها صريحة وحرة وحسبي ما أفهمه منها انها نقطة المركز الذي ينطلق منها المسلمون سياسيا لقيادة المجتمع

وقد تواجه هذه التاملات ببعض الردود المعتادة التي تحرن عند النصوص التي احتضنتها بعض كتب الاخبار، فالامامة التي يقول بها الشيعة الامامية والتي جعلوها قدر المسلم الايماني بالرغم من عدم كونها اصلا من اصول الدين، تشكل اليوم مظهرا من المظاهر غير المتوقعة لاختلاف امة الاسلام التي وحدها منهج الله سبحانه.

لذلك، ارى ان التلهي بها مضيعة للجهد، والدعوة اليها اهمالا للاسلام. وهي لاتعدوا ان تكون مساْلة فكرية يمكن النقاش حولها فهي ليست منفصلة عن المسائل الاخرى في دائرة الافكار الاسلامية.

اما الامامة حركيا فهي القيادة المختارة لادارة البلاد وسياسة العباد واذا اختارت الامة قيادتها وجب الانقياد لها بمقدار انقيادها لدين الامة ومصالحها.

الإمامة: رأي ام عقيدة

الامامة مقولة تتردّد كأنها مسلمة. ولا يناقش فيها أحد. بل ولا يتسنّى لأحد ردّها. وإذا ناقشها احدٌ، ردا او اجتهادا في فحواها وابعادها، فقد فتح عليه أبواب جهنّم.

واذا فتحت ابواب جهنم على المشتغل في قضية الامامة برأي يخالف الموروث الشيعي فإن أقلّ ما يوجه اليه التفسيق والتهميش بل حتى الإقصاء. وقد يفترى عليه، كما حصل معي شخصيا، لأنّ المتفكر في الامامة ولو برأي، هو، كما يتصورون، ضدّ الإمام عليّ، وضدّ ولايتة.

مقولة امامة او خلافة الامام عليّ بن أبي طالب عليه السلام مضى عليها ما يقرب من خمسة عشر قرنا من الزمن. لكنها ما زالت تشكل لب الصراع والانقسام الذي خطه متفننو الفتنة في الامة ليبقى فتيلا مشتعلا لا يستطيع الاسلام نفسه بكل ما فيه من سماحة ان يبطل خطر انفجاره.

هل هي قضية فقهية ام عقائدية

لا تعدو قضية الامامة أن تكون قضية فقهية أو عقائدية: فإن كانت ‹فقهية›، فلا يصحّ أن نلزم بها أحدا. فإمّا أن يجتهد الواحد منّا بها أو يقلّد أحدا من أهل العلم، فحالها حال أيّة مسألة من مسائل الأحكام الفقهية.

وإن كانت ‹عقائدية› فيدركها المسلم بعقله دون الرجوع الى غيره، إذ لا يصحّ التقليد بقضايا العقائد.

وقد يرتأي أحد أنّها ‹مسألة تأريخية› طواها الزمن، وبقيت في التراث الإسلامي موضوع دراسة، نتفاعل مع كلّ موقف إيجابي لإشخاصها ونتوقّف عند الموقف السلبي، ونحسن الظنّ .

فلم يكن عليا ولا عمرا بيننا حتّى يتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود، إنّما هما في غيابت التأريخ، وليس بين أيدينا سوى قصص وروايات. وفي الأعمّ الأغلب، تتصف هذه المرويات بالتشنج والتأزم مما يوحي للدارس، دون ادنى عناء، رجوح امكانية اختلاقها. بل ان سهولة توضيف هذه المرويات سياسيا. يكاد يقطع بثبات اختلاقها في المقام الاول.

ومن يحرص على الإسلام من موقع أنّه دين الله، وأنّه منهج المسلم في الحياة، عليه أن يأخذ من عليّ ومن عمر تجربتهما في مواصلة الطريق على خطى محمّد بن عبد الله (ص)، وعليه ان يدرك ان الرجوع اليهما رجوع الى الإسلام من دون أدنى شكّ.

ولا أعتقد أنّ الجهد الذي بذله جمع من أبناء الأمّة وعلمائها في أحقية الخلافة، أو فيما يدور في فلك الإمامة من موضوعات، يدعم الإسلام اليوم. فهذا الدين الذي تفرد بالريادة عبر التاريخ يحتاج منّا جهدا إستثنائيا حتى لا نخسر قدرتنا على اعادة توظيفه ليكون البديل الحضاري المزاحم لأنظمة الأرض التي لحقها الفشل لإفتقادها المنهج الأخلاقي والروحي.

ومن الفشل الذريع أن نتلهى ونتخاصم ونتأزّم على قضية عفاها الزمن وأصبحت فكرا من الماضي.

علما أنّ صاحب القضية وهو الإمام عليّ (ع) لم يعبأ بها ولم يلتفت الى ماجرى، لأنّ همّه كان أكبر من الإمامة، وإهتمامه كان أوسع من يصبح رئيسا أم مرؤوسا .

وأقدّر أنّ من يشعل النيران ويزرع التفرقة فيما بين المسلمين ليس حريصا على الإسلام الذي جاهد من أجله عليّ وأستشهد على طريقه.

ومن الحرص بمكان على أمّة محمّد (ص) أن لا نشغلها بمسائل تشقّ صفوفها وتمزّق وحدتها.

اما من الناحية العقيدية وتفاعلها مع الموقف السياسي فلا مانع من الإعتقاد القلبي بالإمامة أو بغيرها. لكن ان يُفعّل هذا الاعتقاد لإثارة النزاعات، أوفتح ملفّات تأريخية من شأنها تدمّر وحدة المسلمين، فإن الامر عندها لا شك لا يصب في مصلحة احد حتى الشيعة انفسهم.

وأعود الى القول بأنّ هذه القضية كغيرها من قضايا التأريخ والفكر تحتاج الى دراسة وتجرّد وموضوعية وحرص .

وهي واحدة من قضايا الإسلام الكثيرة، ولا يصح بعد أن دانت الأمّة بالولاء لكتاب ربّها والإهتداء بهدي نبيّها أن نجعل منها ومن غيرها الفيصل بين الإيمان وعدمه.

وأستغرب للمهتمين، وإن كنت أحدهم في زمن مضى وبلا رجعة، أن يشغلوا أنفسهم بما ورد من أخبار وروايات لا يقف معظمها أمام النقد والتمحيص والتدقيق. وكما يقول صاحب سيرة ‹الأئمة الثنا عشر› انه “مهما كان الحال، فالحديث عن فدك وميراث الزهراء من أبيها، ومواقفها من ذلك ومن الخلافة، طويل وكثير. وبلا شكّ، فإنّ الأصحاب والأعداء قد وضعوا (اختلقوا) القسم الأكبر ممّا بين أيدي الرواة. ولا يثبت بعد التمحيص والتدقيق من تلك المرويات إلاّ القليل القليل”[97]

وأنا أنسب الى الجهل اولئك الذين  يدورون في هذه الأفلاك الضيقة، سواء كانت الإمامة أم عدالة الصحابة أم غيرهما، ممّن تجاوزهما المسلم في صراع الإسلام الحضاري مع خصومه. الجهل بحقيقة الصراع القائم، فهناك من يبرع في اللّعب على الناس “الغلابة” الذين لا يمتلكون ما يكفي من المعرفة ليعقلوا الغث من السمين.

فمن غير المعقول أن تحتشد قوى عديدة، وتُسخّر طاقات جمة، ويبذل مال بسخاء كبير لطبع كتاب حول احقية الامام علي بالامامة، أو إنشاء منبر لا يكف عن لعن الصحابة، أو خلق جيل همّه التطأف والاحتشاد خلف اطراف معينة، في وقت لا يبذل نفس هؤلاء المشبوهين الطاقات والاموال والمنابر لجمع الامة على كلمة سواء او لم شملها وتوحيد قوتها.

والأغرب من ذلك أن يصدر فقيه كبير ومرجع تاريخي للشيعة وهو الامام الخوئي حكما بإسلام من سماهم “الأولين الغاصبين” (ويقصد أبا بكر وعمرا). فالامام الخوئي، ورغم انه يرى ابا بكر وعمر مغتصبين لحقّ أمير المؤمنين (ع)، الا انه “يتفضل عليهم” ويعتبرهم انهم مسلمين ظاهريا.

ومن المستغرب ان يتصدى فقيه لتحديد ما اذا كان اسلام فلان او غيره هو اسلام صحيح ام غير صحيح. فالامر في النهاية في علم الله. ويرى الامام الخوئي ان ابا بكر وعمر كانا ناصبي العداوة لأهل البيت لأنهم، برأيه، نازعوهم في تحصيل المقام والرياسة العامّة[98].

غير ان احد تلامذه الامام الخوئي، وهو من فقهاء الطائفة!!، لم يعجبه حتى اعلان استاذه قبول الاسلام الظاهر لأبي بكر وعمر بل اعترض على استاذه معتبرا ان ما فعلاه كان جرما كبيرا اذ يقول:

“… أي عداوة أعظم من الهجوم على دار الصدّيقة وإحراق بابها، وضرب الطاهرة الزكية وإسقاط ما في بطنها، وهتك حرمة مولى الثقلين (اي الامام علي)، وأخذه كالأسير المأخوذ من الترك أو الديلم، وسوقه الى المسجد لأخذ البيعة منه جبرا وتهديده بالقتل وإنكار كونه أخا رسول الله (ص). والذي يدلّ على نصبهم وعداوتهم وإنحرافهم أنّ الصدّيقة المعصومة لم تردّ جواب سلام الرجلين وأعرضت وجهها عنهما وقالت للأوّل والله لأدعونّ عليك مادامت حياتي. ولقد أجاد المحقّق الأصفهاني في منظومته حيث قال:

لكنّ كسر الضلع لبس بمنجبر    إلاّ بصمصام عزيز مقتدر[99].”

ومن مثل هذا المال حمّل إجمال!!، وهاذين النموذجين ليسا لفقهاء عاديين بل هم من اساطين الفقه الشيعي. ومثل هذا الفقيه وغيره هم من يفتي ويقود السفين، “وإذا كان ربّ البيت بالدفّ مولعا فشيمة أهل البيت كلّهم الرقص”.

ساعد الله من سمع مقالة هذا الفقيه فقلده، ومهما يكن فلنا في عليّ بن أبي طالب وبآل عليّ،  وبمن جعل القرآن الكريم أمامه فأصبح همّه، وإهتدى بهدي نبيّه المصطفى وهو قدوته، وبفكر علماء الأمّة الحريصين على وحدتها، خير أمل.

ومن يزرع الاشواك في طريق المسلمين ويخرف حركتها ويجهل ابناءها لا يمكن ان يحسب على أي مذهب من مذاهب المسلمين.

سأكتب لكم كتابا

في أيام النبي (ص) الأخيرة، وكان مريضا، اجتمع حوله صحابته الكرام وأهله الطاهرون ليجددوا به عهدا ويلقوا على من علّمهم الكتاب والحكمة النظرات الأخيرة وقلوبهم تعتصر ألما لفراقه.

يروى أنّ النبي (ص) أمر بإحضار دواة وكتف ليكتب كتابا لن يضلّوا من بعده أبدا، وأنّه قال بعد أن سمع لغطا من صحابته: قوموا عنّي ولا ينبغي عندي التنازع.

وخرج ابن عبّاس يقول: الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله وبين كتابه[100].

فهل هذا الكتاب الذي يريد أن يكتبه النبي (ص) هو نصّ قرآني؟ وإن كان كذلك، فما معنى قوله تعالى: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا﴾[101].

الم ينقطع عنه الوحي بعد نزول هذه الآية، ممّا  أشعره بدنو أجله؟

ولو كان قرآنا، فإن من عادته (ص) ان يقرأه على صحابته فيحفظونه، واذا كان هذا النصّ قرآنا وأراد كتابته وأنّ آية الاكمال ليست الأخيرة فلماذا انزعج لكثرة لغط صحابته وترك القرآن ناقصا؟ فهل يعتقد المسلمون بأنّ القرآن ناقص؟

ثمّ أيّ نصّ هذا الذي لن يضلّ المسلمون بعده، أهو آية واحدة أو أكثر؟ ولماذا لم يبلغه المسلمين في حال الصحّة وبغير هذا الوقت؟ وهل يصحّ لنبي الرحمة أن يترك امته على ضلال الى يوم الدين؟

وأين نضع القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه المحفوظ في الصدور، المعمول به في الواقع، المجموع في صحائف، الذي هو منبع النور والهداية ازاء ما يريد النبي (ص) كتابته؟!

ولو فرضنا أنّ النصّ قرآني وفيه تصريح بالخلافة لعلي (ع) فأين نضع يوم الغدير الذي انفتح فيه المسلمون جميعا على أنّ عليا مولى كلّ مسلم ومسلمة فلماذا لم يبلغهم بالنصّ ويعصم الامّة من الضلال؟!

وأعتقد أنّ ما يريد النبي (ص) كتابته هو من عنده وليس قرآنا واقدّر أنّ مقولة عمر بن الخطّاب “حسبنا كتاب الله” مقولة واعية.

فلقد أوضح الله سبحانه في الاكتفاء بالقرآن قوله تعالى: ﴿أولم يكفهم أنّا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم انّ في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون﴾[102].

ولقد جنى رسول الله (ص) ثمار تربية أصحابه على كتاب الله يوم سماعه عمرا بأنّه يكتفي بكتاب الله بعد رحيل رسول الله.

ولقد أرسى رسول الله (ص) قواعد الانطلاق في قيادة الحياة من خلال كتاب الله وسنّته وعترته وفارق الحياة وهو قرير العين في تأديته الرسالة وتحمّله الأمانة وتركه الامّة على محجّة بيضاء ليلها كنهارها فلا رزية كما يروى عن ابن عبّاس (رض).

النص على الامامة

لم يكن القرآن الكريم قد ذكر نصّا صريحا على امامة الائمة من اهل البيت الذين كان أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم المهدي المنتظر عليهم السلام.

ولا يجد من يستفهم حول ذلك الاّ الرد القائل بأن القرآن الكريم قد أشار الى الصلاة ولم يكن ليفصل أركانها وحركاتها، وانما فرضت أركانها بهذا الشكل الذي نصلي به من قبل السنة المطهرة.

ويقولون أن الامامة لطف كالنبوة، بل ويذهب جماعة الى أكثر من ذلك، فيعدون النبوة لطفا خاصا محدودا والامامة لطفا عاما شاملا! اشارة لتعظيم دورها وسعة افقها، وأهم مافي هذا الكلام أن الامامة ضرورة، ولكن هل هي بهذا الحجم الذي يقول به الشيعة من أنها منصوص عليها والخارج عنها، أو من لا يؤمن بها، ففي اسلامه خدش أو هو كافر أو مشرك أو ابن كذا وكذا؟!

إذا كانت الامامة لطفا، وهي كذلك، لثبوت حاجة المجتمع اليها، ولكونها امتدادا للنبوة، فلماذا، اذن، تتحول الى معميّات ومتشابهات يجد المتتبع حاجة الى من يؤولها ويثبتها له.

ان آية واحدة محكمة صريحة واضحة الدلالة تنهي هذا الجدل كله وتحسم الموضوع برمته وتجعل المسلمين يقفون على أمر جامع حولها.

إن قيل ان الواقع يومذاك لا يتقبل عليا (ع) لصغر سنه أو لانه كان شديدا في الحق قويا في ازهاق الباطل، وأن الفئة التي لا تطيقه ولا ترتضيه يمكن أن تحرّف القرآن أو تحرف المسيرة عن خطّها النبوي، يكون الردّ على أقوالها ان القرآن الكريم لم يكن المسلمون هم الذين تطفلوا بحفظه من التحريف، بل الله سبحانه هو الذي فعل ذلك ﴿اناّ نحن نزّلنا الذكر وانّا له لحافظون﴾.

واذا كان الواقع لايطيق عليا فلماذا يفرضه النبي الاكرم في وصاياه الواضحة الدلالة مثل قوله “من كنت مولاه فهذا علي مولاه” و“أنت مني بمنزلة هارون من موسى الاّ أنه لا نبي بعدي”. وأمثال هذه الوصايا كثيرة وقد ذكرها المسلمون على تعدد وجهات نظرهم في كتبهم.

ثم اذا كان ذكر علي في القرآن يؤدي الى قيام القيامة عند بعض المسلمين وهم في الخط المتقدم في الحياة الاسلامية فأي امة هذه التي قال الله عنها أنها ﴿خير امة اخرجت الى الناس﴾، وأنزل في وجوه رعيلها الاول عشرات الآيات ثناء واجلالا وغفرانا!

واخيرا، إذا تمّ تأويل النصوص القرآنية بما يفيد أن عليا وآله هم المصاديق الاولى للجهاد والعبادة والقيادة والعلم وأمثال ذلك فلا أجد أحدا من العقلاء يردّ هذا التأويل اذ شهدت سيرتهم على ذلك.

واذا أشار النبي الى عليّ بن أبي طالب (ع) فهو موضع اعتزاز اذ نجد نبينا يكرم أخصّ تلامذته وهو الذي يعلّم الوفاء ويضع الامور في نصاباتها.

واذا كان ثمّة فهم أو نوايا عزلت عليا (ع) عن السلطة السياسية فهذا دليل على أن عليا كان زاهدا فيها فقد شبّه الخلافة يوم آلت اليه بـ”عفطة عنز” وهي “لا تساوي عنده  شسع نعله اذا لم يقم حقّا أو يزهق باطلا”.

فإذا لم يكن هو اماما في المعنى السياسي فهو الامام في كل المعاني من خلال ما جسده من سلوك وهدي وفهم وبصيرة.

واذا اختلفت الافهام في تفسير نصوص السنة النبوية بشأن خلافة علي  وامامته بالمعنى الذي يقول به الشيعة، فكل يحمل دليله معه يوم يلقى ربّه، ولسنا مسؤولين عن عقول الناس ونواياهم.

علما أن الشيعة أنفسهم انقسموا الى عدّة طوائف واتجاهات فمنهم: ‹الفاطمية› و‹الواقفية› و‹الاسماعيلية› و‹الزيدية› وغيرهم، ولم يبق من بين هذه الاتجاهات الاّ الشيعة ‹الامامية الاثني عشرية› الذين يقولون بالامامة الممتدة الى اثني عشر اماما.

بيد أننا لو رجعنا الى الامامة كأصل أو الى تسلسل الائمة الاثني عشر من خلال الاخبار نجد أنها لا تقف أمام النقد العلمي سندا أو مضمونا في الاعم الاغلب منها.

ولو صحّ بعضها فالمرجع الذي نرجع اليه هو القرآن وما أجمعت الامة على فهمه والعمل به.

أفكار معارضة للقرآن والعقل

نقرأ في الكتب ونسمع من المنابر افكارا تتعارض مع كتاب الله سبحانه ومع العقل

لقد شكّل تأويل القرآن لصالح فكرة ‹الامامة› ظاهرة خطرة على الاسلام والعقل.

نذكر هنا نموذجا من تلكم التصورات لنتعرّف على المفارقات العجيبة والمغالطات الرّهيبة والتناقضات الواضحة التّي احتجنتها كتب تعدّ من أهمّ كتب الطائفة المنصورة[103].

الفكرة الاولى: “أنّ الحجّة لا تقوم لله سبحانه الاّ بالامام حتّى يُعرف” ومعناه اذا لم يعرف فهو ليس بحجّة.

وليس لدى المسلم مقياس يقيس عليه هذه المرويات الاّ القرآن الكريم فهو يتحدّث بوضوح: ﴿رسلا مبشّرين ومنذرين لئلاّ يكون للناس على الله حجّة بعد الرسل﴾[104].

ويتهادى خلف هذا البيان الرّباني قول علي (ع) اذ يقول: “تمّت بنبينّا محمّد حجّته”[105].

اذن الحجّة هو النبي الأكرم(ص) دون سواه وأنّ أئمة أهل البيت(ع) ليسوا حجّة لأنهم لا يملكون رسالة أي ليسوا أنبياء وانّما وظيفتهم ايضاح ما استعجم على الناس واستنباط مافي الرسالة من قواعد في اطار كونهم علماء الاسلام.

الفكرة الثانية: “لو بقيت الأرض بغير امام لساخت وهي معارضة لقول الله سبحانه ﴿انّ الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا ان أمسكهما من أحد من بعده﴾[106]. وقوله تعالى ﴿ألم تر أنّ الله سخّر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السّماء أن تقع على الأرض الاّ باءذنه﴾[107] .. فما هو دور الامام اذن أمام هذه الأرادة الربّانية!

الفكرة الثالثة: أوّلوا قول الله تعالى ﴿ويقول الذين كفروا لولا انزل عليه آية من ربّه انّما أنت منذر ولكل قوم هاد﴾[108]في أنّ عليا (ع) لكل قوم هاد وانّ المنذر محمّد (ص).

أقول لماذا لا يكون محمّد (ص) هو المنذر الهادي؟ وهل  يتقاطعان في مقام الدعوة؟ ثمّ لماذاعلي (ع) هاد ومن قعّد محمّدا (ص) عن هدايته ومنح عليا نعمة الهداية؟!

أليس عليّ تلميذ رسول الله (ص) لا يتقدم عليه خطوة لا في قول ولا عمل ولا فضيلة؟

يقول عليّ (ع): نظرت الى كتاب الله وما وضع لنا وأمرنا بالحكم به فاتبعته وما استنّ النبي محمّد (ص) فاقتديته[109].

الفكرة الرابعة: أنّ الأئمة ولاة أمر الله وخزنة علمه وتراجمة وحيه، وهي تتعارض مع ما حكاه القرآن الكريم عن محمّد (ص) ﴿قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم انّي ملك﴾[110] هذه هي ثقافة التوحيد الخالص التي نشأ عليها رسول الله (ص) فإذا كان الرسول لا يملك ذلك فكيف يملكها الامام؟!

الفكرة الخامسة: “أنّ الأئمة خلفاء الله في أرضه” وهي مأخوذة من قوله تعالى: ﴿واذ قال ربّك للملائكة انّي جاعل في الأرض خليفة﴾[111] . وقوله تعالى: ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض﴾[112]

فالآية الاولى تتحدث عن الانسان الخليفة الذي أوكل الله اليه خلافة الأرض ليعمّرها ويمكّن مناهج الله فيها لتبقى العلاقة قائمة فيما بين الانسان وربه.

وجاء اعتراض الملائكة على خلافة الانسان لما يختزن في أذهانهم من أنّه غير قادر على المواصلة في خطّ طاعة الله سبحانه لأنه غير مجبور عليها مثلهم ﴿قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء﴾[113] فلو قال الله تعالى انّي جاعل في الأرض خليفة لي لم يكن ليعترض الملائكة.

اما الآية الثانية وهي تفيد الوعد الالهي للمؤمنين كافّة على امتداد الأجيال في عملية استخلافهم واقامة دولتهم ونصرهم على أعدائهم.

لقد جاء الجواب الالهي الدقيق بقوله ﴿منكم﴾ ولم يأت خاصّا بالامام فحسب.

ومع ذلك فقد تحقق هذا الوعد للنبي (ص) وللصفوة الذين معه اذ أقاموا دولة الاسلام في المدينة.

ويحقّق الله سبحانه وعده للمؤمنين به على امتداد الزمن وكذلك فالبشرية موعودة بالمهدي من آل محمّد الذي يملؤها “قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا”.

أما فكرة الرجعة التي يؤمن بها بعض الشيعة والتي تعني أنّ الأئمة يرجعون الى الحياة الدنيا واحدا بعد واحد ليقيموا حكم الله في الأرض فلا تعدو أن تكون ردّة فعل نتيجة اقصاء الأئمة عن الدور السياسي.

الفكرة السادسة: “أنّ الأئمة نور الله عزّ وجلّ أو أنّه سبحانه خلقهم من نور أو أنّهم كانوا أنوارا قبل خلق العالم”.

مفاد هذه الفكرة أنّ الأئمة ليسوا بشرا. كيف ذلك والله سبحانه يؤكد بشرية حتى النبي نفسه بقوله ﴿قل انّما أنا بشر مثلكم﴾ ولم يرد في كتاب الله ما يشير الى نورية الأئمة بل أشار الله تعالى الى القرآن الكريم أنّه نور بقوله ﴿فالذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون﴾[114].

وأعتقد أنّ من يتمحّل ليقول أنّ فاطمة (ع) هي نور السماوات والأرض مستدلّين بقوله تعالى:(والله متمّ نوره) 117فقد خالف نصّا قرآنيا هو قوله سبحانه ﴿الله نور السماوات والأرض﴾118

الفكرة السابعة: “أنّ الائمة أركان أالأرض” فإن كان المقصود بالركنية المعنوية فهم حقّا أركان الأرض من خلال وعيهم واخلاصهم وعبوديتهم لله سبحانه.

وهذه الركنية ماكانت يوما ما مانعا لأولاد الأئمة أو لشيعتهم من فسق هنا وفجور هناك أو أنّها منعتهم من حالات التشظّي والفرقة والاختلاف والتقاتل.

وان كان المقصود منهاهي القوّة الماسكة للأرض فلقد رأينا الزلازل تحصد آلاف الشيعة من أتباع أهل البيت فلم نر اماما تدخل في منعها والله تعالى يقول ﴿وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم﴾[115] ولم يقل، القى الله الأئمة رواسي.

الفكرة الثامنة: “أنّ أعمال العباد تعرض على النبي والأئمة” فيستاؤن اذا شيعتهم أذنبوا ويفرحون ان أحسنوا.

ويجري ذلك في الاسبوع مرّة للامام المهدي (ع)، بيد أنّ الله سبحانه هو المطّلع كونه الرّب المتعال الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ويعلم ما تكنه الصدور وما تنطوي عليه الضمائر ﴿وكفى بربّك بذنوب عباده خبيرا بصيرا﴾[116] وجاء في القرآن الكريم حكاية عن نوح(ع) ﴿قال وما علمي بما كانوا يعملون ان حسابهم الاّ على ربّي لو يشعرون﴾[117]

لماذا تعرض الأعمال على النبي والأئمة أهم يملكون قرار الثواب والعقاب أم الجنّة والنار؟!.

الامامة كما افهمها

الامامة السياسية

بعد رحيل المصطفى (ص) الى الرفيق الاعلى غدت الحياة الاسلامية بقيادة الخلافة الراشدة، فظهرت مواقف نابعة من اجتهاد ورؤية، وقد كان من حكمة النبي وهدي الرسالة اهتمامه بتربية أصحابه وخصوصا عليّ بن أبي طالب وتهيئته له طوال المدّة التي قضاها تلميذا الى جانبه، مصغيا بقلب واع وفكر متوقد الى فحوى كلام استاذه ومقاصده، اذ كان من شدّة حرص النبي الكريم، وهو الذي يعرف طبيعة الناس وطبائع الاشياء على سلامة المسيرة من بعده، أن هيأه للدّين وللدنيا حتى لاتنفتح على الامّة منافذ النزوع الى الرأي فيتلهى الواقع بغير النصوص قرآنا وسنة، فكان عليّ بن أبي طالب في الامّة من تشهد له الحياة وجميع الصحابة بالفقه والمعرفة بأولويات الشريعة ومقاصدها ولم يكن أحد يعدوه في ذلك.

وكانت مشيئة الله سبحانه هي الغالبة، وبقي القرآن الكريم هو الذي يحكم المسيرة والمرجع الذي يرجع اليه المسلمون وان تقاتلوا أو اختلفوا بمقاصده ومعانيه، وبقيت أحاديث رسول الله هي المتأصّلة في النفوس وان اختلف المسلمون في صحّة ورود قسم منها وعدم صحته فقد بقي مبدأ النبوة ومقام النبي محفورا ومحفوظا في المشاعر والقلوب.

وهذا المعنى هو الذي مكّن الاسلام من الثبات والرسوخ برغم كل الصعوبات التي اعتورت طريقه اذ كانت النبوة أمانا من الفرقة في نهاية المطاف.

وقد قال الله في ذلك ﴿ولقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا﴾.

ففي حياته (ص) قدوة للناس لا يختلف في ذلك اثنان، واستمر الاقتداء بالمصطفى حتى بعد وفاته. ففكره وهديه (ص) هو الجامع لوحدة الامّة ولمّ شملها مع ما برز من تعارض في الرؤى عند نخبها.

فلقد حدث ان توزعت الافهام، وزرعت رؤى هنا ورؤى هناك حول قضايا مفصلية وحسّاسة. من هذه القضايا، الامامة بمعناها القيادي سياسة وفكرا.

ولو تهيأ لعليّ ممارسة امامته السياسية لانفتحت على الواقع بوادر الخير منها، ولتم منع الدخلاء من الامتداد الى مواقع الدولة .

لكن يتسن للامام علي ان يتولى الخلافة، وأدّى انحسار امامته السياسية الى بروز نتوءات فاسدة في جسد الخلافة الاسلامية.

منها واهمها على سبيل المثال بروز معاوية بن أبي سفيان ومعه أمويون طلقاء على رأس هرم القرار فبدلوا وغيروا وقلبوا الخلافة الى ملكية، وتسبب ذلك في اضعاف بريق الاسلام على مستوى تجربته السياسية.

الامامة الواثقة

بعد رحيل النبي الاكرم محمد (ص) الى الرفيق الاعلى كان لزاما على الامة ان لا تدع فراغا قياديا يحكم الواقع ، فلقد بادر صحابة رسول الله الى الاجتماع في سقيفة بني ساعدة للتداول في هذا الامر تفويتا لما كان المنافقون يسعون اليه من خلق للبلبلة في هذه الحاضرة، لاسيما وان الاسلام كان مايزال بعد فتيا، والحياة بعد في اولها .

وانفض الاجتماع باختيار الصحابي الجليل ابي بكر الصديق خليفة على المسلمين، فشكل هذا الاختيار صدمة عنيفة لثلاث فرق اولاها فرقة المتوقعين باْن علي بن ابي طالب هو المؤهّل لها دون سواه، وثانيتها فرقة بني هاشم الذين يرون من منطق العشيرة ان النبي منهم فلابد وان يكون خليفته منهم ايضا، وثالثتها فرقة المنافقين الذين راْوا في ابي بكر رجلا لايتوانى ولايلين امام اي ظاهرة نفاقية .

ونعود الى الامام الواثق علي بن ابي طالب لنقف على راْيه فلقد امتص صدمة المتوقعين ورد منطق العشيرة بقوله: والله لأسالمن ما سلمت امور المسلمين ولم يكن فيها جور علي خاصة .

فلم يكن الاسلام يوما عشائريا متخندقا بخندق القبيلة واذا لم يبادر الامام علي لدرء فتنة هذا المنطق فسينفتح على الاسلام جيبان: ‹العشائرية› و‹المنافقون›. ومن هنا راْيناه يسارع الرياح العواصف ليثبت مقولاته الواثقة فيقول: “ايها الناس شقوا امواج الفتن بسفن النجاة، وعرّجوا عن طريق المنافرة، وضعوا تيجان المفاخرة، هذا ماء اجن، ولقمة يغص بها آكلها”، ووقف علي (ع) وقفة المسلم الغيور على رسالة الله الواثق بان دين الله سيكون واقعا يتحرك على الارض فشارك ‹الخلافة الراشدة› مشاريعها من اعلانها الحرب على الذين ارادوا خنق الاسلام في عملية ارتداد عنه واماتة مشروعه، وساهم في ترتيب البيت الاسلامي، وانطلق يدعم مشروع توسيع الدولة الاسلامية، حتى تصل الى الناس كافة، ويتحقق مراد النبي الكريم.

واقدّر ان اي مسلم يتخلف عن المشاركة في هذه المهام الجسام، يفقد، بلا شك، رصيده وحظه من الاسلام. يقول الامام علي: “فأمسكتُ يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الاسلام، يدعون الى محق دين محمد، فخشيت ان لم أنصر الاسلام واهله، ان ارى فيه ثلما او هدما”.

الامامة الراشدة

وبعد ان مضى الخليفة الثالث عثمان بن عفان الى سبيله اجتمعت الكلمة على علي بن ابي طالب ليكون خليفة وكان وقتها راغبا عنها زاهدا فيها ولكنّ الحاجة  في ان تجتمع له  الامامة السياسية مع الامامة الفكرية كانت ملحّة، فقبلها، وهو بها جدير.

بيد انه كان قد برز في اوضاع الدولة الاسلامية، وخصوصا في المدينة، وفي الشام ايضا، الترف والمحسوبيات مما اتعب الخليفة الجديد وزاد مصاعب التغيير والاصلاح.

وقدّر لعلي (ع) ان يتسنم مقاليد الامور وفي نفوس بعض عالية القوم منه شيء، فقرّر ان ينقل عاصمة الخلافة الى العراق. فكان العمل الاول الذي اثار حفيظة اولئك، هو تسويته العطاء من دون فرق بين ابناء المجتمع. ففتحت عليه هذه الفئة حربا ليس لله فيها رضا ونصيب الناس فيها القتل وللحكومة فيها الضعف: تلك هي حرب ‹الجمل› ثمّ اعقبوها بحرب ‹صفّين› وانتهت بحرب ‹الخوارج›.وكاْن قد قدّر لحركة الخلافة الراشدة ان تعطي امثلة طيبة لقدرة الاسلام ان يحكم وقدرة القادة بمواصلة المشوار وبتحمل المسؤولية رغم كل الصعاب .

ولقد اعطى الخلفاء الاربعة اروع صور العدل وإحكام إدارة الدولة ماجعل الاسلام الى يومنا هذا ان قدّم بهم النماذج التي يكمل بعضها بعضا من اجل الرسالة والانسان.

ولايظنّن احد ان عليا في سنوات امامته السياسية لم يقدّم شيئا في ما يتصل بالادارة او بالاقتصاد او بالامن، فقد ترك علي (ع) تركة مباركة من وصايا ونظريات وعهود .

فهذا نهج البلاغة يضم بين جوانحه علما وحكما ويكفي ان يكون عهده لمالك الاشتر ورقة عمل لايستغنى عنها على امتداد الايام.

ومع كل ما اعتور طريقه من حجارة واشواك فقد ظلّ هو الشاخص الوحيد للزهد وللفكر وللعدل والقادر على تجاوز كل المحن والالام سلام الله عليه.

وتنتهي به الخلافة، الخلاّقة الراشدة، التي كان لها الاطار المبهج والذي اختزن كلّ مكارمها وقيمها.

الامامة الناصحة

وموقع الامام في الامة هو موقع الناصح الامين لها، فكما هو ناصح لله باتباعه رسالته، وناصح لرسول الله  باتباعه سنته، فهو الناصح للامة بتقديمه لها برنامج عمل يرفع من مستوى كفاءتها في شتى مجالات الحياة المتعددة

ومن هنا نجد النصح عند الامام ظاهرة غير متكلفة بل هي معجونة في وعيه وفي وجدانه .

وللامة ان تأخذ على يد الامام غير الناصح وتتعامل معه بغير الوجه الذي استقبلته به يوم مبايعته في اطار ممارسة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، مثلما رأينا ماصنعت الامة بيزيد بن معاوية. في الوقت الذي رأْينا الامة تكبر موقف امام ناصح لم يتهيأ له ممارسة دور سياسي بعد هو الامام علي بن الحسين زين العابدين اذ وقف هذا الناصح الامين مع الامة يوم تعرضت لتهديدات الروم بيد ان جهاز الدولة الاسلامية قد اقام مجزرة كربلاء الذي راح فيها ابوه الحسين شهيدا امام ناظريه ولم يكن الامام ليتخلف عن واجب القيام  بالنصح والنصرة لمجرد ذلك الموقف البغيض.

ولمن يقرأ دعاء اهل الثغور للامام زين العابدين يشعر ان الامامة في افقها العالي واداءاتها المتفوقة هي الحصن المنيع الذي تتمترس به الامة.

فالامام الناصح سواء أكان في موقع السلطة ام لم يكن هو من يقف مع الامة في قضاياها كلها كما رأينا الامام زين العابدين.

ولقد اعطى الامام علي، من قبل، درسا بليغا في هذا الاتجاه. فلقد كان اماما ناصحا. اذ وقف مع الخلافة الراشدة يسدي لها النصح. فيقول في الخليفة الاول ابو بكر الصدّيق: “.. ولقد صحبته مناصحا واطعته فيما اطاع الله فيه جاهدا”. ورأينا عليا وقد منع ‹الصدّيق› من الذهاب الى ‹ذي القصة› لما كان يرى بعدم وجود تكافؤ قوى، فقال له “اقول لك ما قال رسول الله يوم احد، لمّ سيفك، ولا تفجعنا بنفسك، وارجع الى المدينة، فوالله لئن فجعنا بك لا يكون للاسلام نظام ابدا”.

واراد ابو بكر ان يغزو الروم فشاور جماعة من اصحاب رسول الله فقدّموا وأخّروا، فاستشار عليا فأشار ان يفعل، وقال “ان فعلت ظفرت” فقال “بشرت بخير” فقام ابو بكر في الناس خطيبا وامرهم ان يتجهزوا الى الروم.

ونجد عليا كذلك مع اخيه الراشد الفاروق، عمر بن الخطّاب، اذ اسشاره في الخروج الى غزو الروم فقال له “انك متى تسر الى هذا العدو بنفسك، فتلقهم بشخصك، فتنكب، (اي تخسر) لا تكن للمسلمين كانفة (اي ملجأ) دون اقصى بلادهم، ليس بعدك مرجع يرجعون اليه”.

وشاوره في الشخوص بنفسه الى قتال الفرس فقال له “ان الاعاجم ان ينظروا اليك غدا يقولوا هذا اصل العرب فاذا قطعتموه استرحتم فيكون ذلك اشد لكلبهم عليك وطمعهم فيك”.

الامامة الواعية

لا شك ان الامامة هي المحطة التي تزود حركة الواقع بالوعي اذ من دون الوعي تجهل الامة مواقع اقدامها ويهمش دورها وتصبح معطلة لا شاْن لها بين امم الارض .

فالوعي هو من الخصائص التي تتميز بها الامة سواء اكان ذلك في عملها السياسي او الاجتماعي او الاقتصادي او الثقافي او الفكري .

وبالوعي كانت أمتنا ﴿خير امة اخرجت للناس﴾ فالدرس الذي اعطاه رسول الاسلام محمد (ص) في عملية البناء اختصر عليهم الطريق واوضح لهم الرؤية فقد حصر موضع اهتمام الامة بقراءة المنهج وبالايمان به وبتطبيقه.

فالمنهج اولا ثم الايمان به، ثانيا، على انه من عند الله تعالى، ثم تطبيق هذا المنهج في حركة السلوك البشري وفي مجالات الحياة المتعددة .

ومن خلال ذلك تبرز في الافق الامامة الواعية المترجمة للنبوة العاملة بالمنهج المتناسية ذاتها امام ابهة النبوة. المترسمة خطاها حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، يقول علي بن ابي طالب: “فيا عجبا، ومالي لا اعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها، لايقتصرون اثر نبي، ولا يقتدون بعمل وصي، مفزعهم في المعضلات الى انفسهم، وتعويلهم في المهمات على ارائهم، كأن كل امرئ منهم إمام نفسه قد اخذ منها فيما يرى بعرى ثقات واسباب محكمات”.

فالنبي الذي يمثل قمة الوعي ثم الامام التي تجتمع كلمة الامة على اختياره هو الاخر الذي يعي  الرسالة والرسول معا لينطلق بهذا الوعي في قيادة الحياة حتى تصبح الامة في ارادتها وهمومها ورسالتها مجسدة في حركة الامام وفي وعيه.

ومن هنا فالامام امام في السلم وامام في الحرب ولقد راينا كيف ان الامام علي حارب الذين خرجوا على ارادة الامة يوم كفروه .

وما ان رجعوا الى الامة فتح الباب ليدخلوه آمنين، ويمارسوا حياتهم من دون عنت، حتى انه كان يكرر مقولته الشهيرة “اخواننا بغو علينا”.

هذه الامامة الواعية هي التي رسمت للاسلام صورته المثالية وهي التي جعلته حيا في الوجدان الانساني.

المنهج والامام والامّة

الامامة في حياة الامّة ضرورة تقتضيها طبيعة الأشياء، فليس هناك امّة من الامم من دون قيادة.

ولعلّ من أهمّ العوامل التي ساهمت في بناء الحياة الاسلامية الاولى أن بعث الله سبحانه محمّدا نبيا وبين يديه المنهج الذي يستوعب الكون والحياة والانسان.

وكان النبي جديرا بالقيادة بما انطوى من شمائل وخصال أهّلته بأن يدفع بالامّة الى التماسك مع منهج ربّها ومعرفة كيفية التصدر بين امم الأرض.

وتحرّك النبي (ص) اماما  مكلّفا بتطبيق منهج في امّة لا تعرف في حياتها منهجا.

والمنهج الذي فرضه الله سبحانه على النبي (ص) لم يأت جملة واحدة مما يثقل على الامّة تطبيقه، فقد نزل نجوما وكان للقائد دوره المتميز في تدريب الناس عليه.

فلقد كان منهجا قابلا للتطبيق في كل مفاصل الحياة بما يملك من قواعد عامّة يستفيد منها القائد في ايجاد صيغ عملية ملائمة لواقع الامّة .

وهو منهج ربّاني، فهو يرسم العلاقة بين العبد وربّه ويزرع في ذات العبد رقابة ذاتية، ويجعل لله تعالى حضورا ذائما في القلب، وهو ما تفتقده مناهج الأرض التي لا تدخل الله في بنيان اخلاقياتها.

ومن خلال المنهج تقيّم الامّة امامها فإن كان ذا كفاءة عالية في التفاعل مع قضاياها، أبقته على هرم القيادة، والاّ عزلته. وقد حدث ذلك مع الخليفة الراشد عثمان (رض). بيد انّ الامّة أبقت أبا بكر الصدّيق والفاروق عمر في قائمة المجد والفخار .

ولقد أثبتت أنّها الامّة الراشدة يوم اختارت عليا خليفة، يقول علي (ع) في وصف ذلك اليوم: ثمّ تداككتم عليّ تداكّ الابل الهيم على حياضها يوم ورودها حتّى انقطعت النعل وسقط الرداء ووطيء الضعيف وبلغ من سرور الناس ببيعتهم ايّاي أن ابتهج بها الصغير وهدج نحوها العليل وحسرت اليها الكعاب[118].

ووقف علي يقود هذه الامّة برؤية فاحصة وأداء دقيق فأرشد الى كيفية اللجوء للمنهج الداعي للتمحور حول العمل المؤسساتي الممنهج لا الى التمحور حول شخصانية الامام أو القائد.

يقول الامام علي (ع): واعلموا أنكم لن تعرفوا الرّشد حتّى تعرفوا الذي تركه، ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتّى تعرفوا الذي نقضه، ولن تمسكوا به حتّى تعرفوا الذي نبذه، فالتمسوا ذلك عند أهله[119].

وهذه الدعوة من القائد للعمل بالمنهج دون سواه ليحقّق مع امّته الانجازات التالية التي عددها عليّ (ع) بقوله: … لنرد المعالم من دينك، ونظهر الاصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطّلة من حدودك[120].

بين الامامة والنبوة: امامة ابراهيم الخليل

الامامة الابراهيمية التي استعرض القرأن الكريم افقها ﴿واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين﴾ تعد الوجه البارز للنبوة فيما تتحرك داخله من واقع الناس وتقوم به من مهام التصحيح لمسار الامة. فالنبوة هي امامة والامامة بهذا المعنى هي نبوة.

اما النبوة التي لا يتسنى لها ان تاخذ دورها في عملية الغيير السياسي والاجتماعي لظروف قاهرة تقف دون حركتها فهي ليست امامة بالمعنى الحركي للنبوة وهذا مايمكن استيحاؤه من خلال الآية المباركة، اذ ان ابراهيم كان نبيا كلفه الله سبحانه بالنبوة في اطار بناء الذات، وهي في بلاغها ربانية، فهي من الله، الا ان ابراهيم هو مستودعها المستجيب لهتافاتها والصالح لتاْديتها بكل كفاءة.

والامامة ترتبط بشخص ابراهيم فيما يجسده من تفعيل لهذه الهتافات في حركة الواقع وهو ما تشير اليه الاية ﴿واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن﴾ على انه الجاهز للدخول في امتحانات الحياة وبلاءاتها من خلال تطبيق مبادئ النبوة والقيام بشؤون المجتمع من وحي هذه المبادئ ونخلص بالقول ان النبوة والامامة على طريق تجسيد المهمة التغييرية .

ومن هذا المنطلق واجه النبي محمد (ص) ارشاد الله سبحانه في تنفيذ مبادئ الاسلام على طريقة ﴿فاصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل﴾، ايمانا باْن حركة النبوات هي المنفتحة على رسالات السماء بما هي مأمورة بتجسيدها فعليا في الارض ﴿كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه الا الذين اوتوه من بعد ماجاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين امنوا لما اختلفوا فيه من الحق باْذنه والله يي من يشاء الى صراط مستقيم﴾.

فهناك اذا منظومة آيات تفيد حركة الانبياء جميعا في اقامة حدود الله وتأسيس العدل والقسط من خلال سلطة تنفذ ذلك اما ان يكون النبي نفسه او جهات اخرى غيره .

وهوْلاء الانبياء أئمة فيما يهدون الامة اليه ليأخذوا بيدها لما يصلح شأنها ﴿وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا واوحينا اليهم فعل الخيرات﴾.

ومن هنا فكل من اتصف بصفة الامامة في كل ما تفيده من معنى تدبير شؤون الامة او اقامة الدولة او ما شابه فهو امام سواء اكان امام عدل ام امام جور، كبيرة كانت مهمته ام صغيرة .

وفي هذا المعنى تمنى ابراهيم (ع) ان تكون ذريته تجمع الى النبوة الامامة فكان الرد الالهي  ﴿لاينال عهدي الظالمين﴾ بمعنى ما انت عليه يا ابراهيم هو عهد من الله والله هو الذي يصطفي من عباده من يشاء .

وفي هذا الاطار شكلت اخبار ومرويات غير دقيقة عقلية مشوشة عند البعض ترى ان الامامة مرحلة متقدمة على النبوة فقد روي عن الامام الصادق انه قال ان الله اتخذ ابراهيم عبدا قبل ان يتخذه نبيا وان الله اتخذه نبيا قبل ان يتخذه رسولا وان الله اتخذه رسولا قبل ان يتخذه خليلا وان الله اتخذه خليلا قبل ان يتخذه اماما فلما جمع له الاشياء قال اني جاعلك للناس اماما قال عليه السلام فمن عظمها في عين ابراهيم قال ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين قال لا يكون السفيه امام التقي.

وفي تفسير العياشي واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن بمحمد وعلي والائمة من ولد علي .

اجل ان عليا واولاد علي هم ائمة في الفكر وفي الجهاد والحكمة والعدل شأنهم في ذلك شأن اي امام  وقد اوصى بهم النبي لأنهم تربو في احضان النبوة وشربوا من منهلها الرباني وانهم ليسوا حجة لانهم ليسوا ائمة اي ليسوا انبياء كما قال الامام علي ولقد تمت بمحمد حجته.

حدود الإمامة وقيودها

انتفاء العصمة ووجوب قول النصح

انّ للامام مهّاما عظيمة تنطلق من كونه مسؤولا مباشرا وقائدا ميدانيا للافكار  ولشؤون الامّة.

فالامّة تنظر الى امامها و”الناس على دين ملوكها”. اما النُّخب و‹أهل الحلّ والعقد› فهم في موقع المراقب للامام.

ولعلي(ع) وصية لهؤلاء يقول فيها: وأمّا حقّي عليكم، فالوفاء بالبيعة والنصيحة في المشهد والمغيب[121].

وله أيضا: ولا تظنوا بي استثقالا في حقّ قيل لي، (اي لا تعتقدوا اني استثقل قول الحق منكم) ولا التماس اعظام لنفسي، فإنه من استثقل الحقّ أن يقال له، أو العدل أن يُعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه. فلا تكفوا عن مقالة بحقّ، أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن اخطيء ولا آمن ذلك من فعلي[122].

فالذين يستشارون بل ويشيرون  اولئك الذين رشّحتهم الامّة لهذه المهمّة.

فليس أمام هؤلاء مصطلح أنّ الامام ‹معصوم› كما هو واضح من كلام علي(ع) اذ لايأمن الخطأ .

ولقد أرسى رسول الله (ص) هذه الروحية اذ كان يشاور أصحابه ويختار من بين آرائهم أصلحها وأقربها الى مصلحة الامة تطبيقا لقواه تعالى: ﴿وأمرهم شورى بينهم﴾[123].

قفل الطريق على التفرد بالرأي

واذا تكاملت العلاقة فيما بين الامام وبين ‹أهل الحلّ والعقد› فإنّ العلاقة يجب أن تتكامل فيما بينه وبين الامّة أو القاعدة الشعبية لأنّ القائد اذا احتجب عن القاعدة وعاش في حدود النخبة قوّى هوى نفسه على ارادته، وقد تتحكم به وتأمره بالسوء والأنانية وخيانة الامة والدكتاتورية في الحكم, فحصر النفس في دائرة مغلقة يولد لديها قناعات قد تؤدي الى انفرادية الحاكم وتضييق دائرة خبراته بالمجتمع والحالات التي يمرّ بها.

هذا بالنسبة الى الامام أما بالنسبة الى أفراد القاعدة فإنهم يفسّرون احتجاب القائد عنهم بأنه يعدّهم دونه،اقل شأنا منه، وكأن الإمامة فضلا لا مسؤولية، فتتغير في نفوسهم المقاييس ليتحول القبيح حسنا والحسن قبيحا ويختلط الحقّ بالباطل.

وفي هذا المعنى يشير علي (ع) اذ يقول: فلا تطوّلنّ احتجابك عن رعيتك فإنّ احتجاب الولاة عن الرعية شُعبة من الضيق وقلّة علم بالامور، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه، فيصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير، ويقبح الحسن ويحسن القبيح، ويشاب الحقّ بالباطل. وانّما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناسبه من الامور وليست على الحقّ سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب[124].

تقييد سطوة السلطة على حرية الفرد

ومن هنا فالامام اذا كان يلتقي الامّة دوما ويعيش همومها وتطلعاتها بنفسه كان الأقدر على وضع المرهم الشافي لأمراضها ولحالات ضعفها.

واذا أشرف الامام على علاج الحالات السلبية وقام بعملية التداوي مباشرة من دون واسطة كان أدعى لمجلس قيادته أن يضع خطاه على خطاه، فيأمن الناس من الخيانة، وتتقوى شخصية القاعدة وتتلاحم مع القائد في كلّ الميادين.

يقول الامام علي (ع): واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرّغ لهم فيه شخصك وتجلس لهم مجلسا عامّا فتتواضع فيه لله الذي خلقك وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك حتّى يكلّمك متكلمهم غير متتعتع فإني سمعت رسول الله (ص) يقول في غير موطن: لن تقدّس امّة لا يؤخذ للضعيف فيها حقّه من القوي غير المتتعتع، ثمّ احتمل الخرق منهم والعيّ ونحّ عنهم الضيق والأنف ينسّط الله عليك أكناف رحمته ويوجب لك ثواب طاعته[125].

ومن مهام الامام البادرة الى حلّ المشكلات التي تعصف بالمجتمع، ولقد لاحظنا في عصر الراشدين كيف أن عليا كان المبادر لإيجاد الحلول للمشاكل التي كانت تفرض نفسها على القائد وعلى القاعدة. ومن أمثلة المشاكل هذه تلك التي عصفت بالخليفة الثالث عثمان بن عفّان يوم خرج عليه جمع من المسلمين في المدينة المنورة وحاصروه في بيته طالبين منه التخلّي عن الحاشية التي أحاطته ورمته في هوّة سحيقة وأبعدته عن الامّة.

وسألوا عليا(ع) مخاطبة الخليفة لهم، فدخل عليه عليّ فقال له: انّ الناس ورائي وقد استفسروني بينك وبينهم. والله ما أدري ما أقول لك. ما أعرف شيئا تجهلهن ولا أدلك على أمر لا تعرفه، وانّ الطرق لواضحة، وانّ أعلام الدين لقائمة، فاعلم أنّ أفضل عباد الله عند الله إمام هدي، هدى فأقام سنّة معلومة، وأمات بدعة مجهولة، وإنّ السنن لنيرة، لها أعلام، وانّ البدع لظاهرة، لها أعلام، وانّ شرّ الناس عند الله امام جائر ضلّ وضلّ به، فأمات سنّة مأخوذة، وأحيا بدعة متروكة، وانّي سمعت رسول الله (ص) يقول: يؤتى يوم القيامة بالامام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر فيلقى في نار جهنّم فيدور فيها كما تدور الرحى ثمّ يرتبط في قعرها وانّي أنشدك الله الاّ تكون امام هذه الامّة المقتول، فإنه يقال يقتل في هذه الامّة امام يفتح القتل عليها والقتال الى يوم القيامة ويلبس امورها عليها ويبثّ الفتن فيها فلا يبصرون الحقّ من الباطل يموجون فيها موجا، ويمرجون فيها مرجا، فلا تكوننّ لمروان سيّقة يسوقك حيث شاء بعد جلال السنّ وتقضّي العمر[126].

ولم يكتف الامام علي (ع) بهذه النصيحة للخليفة فقد حال دون الناس ودون دخولهم الى الخليفة ليقتلوه فجعل الحسن والحسين يحرسانه وعنّفهما ساعة تسور جماعة على الخليفة الحائط فقتلوه.

وأحدث مقتل الخليفة فراغا في ادارة البلاد فاتجه المسلمون الى عليّ لأختياره خليفة فقال لهم : دعوني والتمسوا غيري فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول واعلموا أنّي ان أجبتكم ركبت بكم ما أعلم[127].

فلقد باشر الامام علي (ع) في تسوية الخلل الذي حصل وهو عدم التسوية في العطاء فساوى فيه فأصدر أمرا الى عمّاله في الأمصار:ألا وانّ حقّ من قبلك وقبلنا من المسلمين في قسمة هذا الفيء سواء يردّون عندي عليه ويصدرون عنه[128].

فقام بردّ الأموال الى أصحابها اذ كان قد استحوذ عليها جهاز الدولة أيام الخليفة الثالث فقال: والله لو وجدته قد تزوّج به النساء وملك به الاماء لرددته فإنّ في العدل سعة ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق[129].

بلاغ النبي بالولاية لعلي

ما من شكّ أنّ رسول الله (ص) قد اهتم بعلي (ع) اهتماما بالغا منذ أن كان صغيرا، فقد بعث النبيّ (ص) في سنّ الأربعين وكان لعليّ عشر سنين .

ويتحدّث علي (ع) عن مستوى تلقيه عن النبي (ص) من عمره هذا الى رحيل المصطفى الى الرفيق الأعلى فيقول: ليس كلّ أصحاب رسول الله (ص) من كان يسأله ويستفهمه وكان لا يمرّ بي من ذلك شيء الاّ سألته عنه وحفظته[130].

هذه الحياة العلويّة في ارتساماتها النبوية في حركاتها التي يقول عنها النبي الأكرم “عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ” لا يمكن أن تتوقف الامة أو فصيل من فصائلها على فهمه بطريقة تتشظّى من وراءه. فعلي (ع) في منظار الرسالة هو أكبر من أن يكون حاكما دنيويا او سياسيا بالمعنى الحكومي المعهود.

ولو قدّر له أن يصبح حاكما لقدّم الاسلام به صورة أكثر وعيا وصلابة وعدلا كما قدّم به ناصحا ومستشارا واماما فكريا أيام الخلافة الراشدة.

لا تشكل الحاكمية أو الخلافة عند عليّ قضية فهي وسيلة وليست غاية بعكس ما يعيشه البعض من محبيه اذ خلقت في عقولهم أزمة الى يومنا هذا.

فلقد ضمّت كتب الأخبار تفسيرات لأيات قرآنية وتأويلات متأزمة لاتنسجم مع ما في الاسلام من رحابة. مثال على هذه التفسيرات ما ورد عن ابن عبّاس للآية المباركة ﴿ياأيها الرسول بلّغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلّت رسالته والله يعصمك من الناس انّ الله لا يهدي القوم الظالمين﴾[131].

فقد قال ان عباس أن الآية نزلت في علي بن أبي طالب حيث أمر الله سبحانه أن يخبر الناس بولايته فتخوّف رسول الله أن يقولوا حابى ابن عمّه وأن يطعنوا في ذلك عليه، فأوحى الله تعالى اليه فقام بولايته يوم غدير خمّ وأخذ بيده فقال من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه[132].

وبالتدقيقوتحليل الرواية، اقدّر أنّ هذا التفسير غير صادر عن ابن عبّاس وهو حبر الامّة بل الذين فسّروا القرآن بهذه الطريقة هم الغلاة من أمثال ‹أبي الجارود› و‹سهل بن زياد› و‹علي بن الحكم› وأضرابهم من الملفقّين، وغير الأمينين على التعامل مع النص القرآني.

وقد احتشدت مثل هذه التفسيرات في كتب الشيعة المفسّرة للقرآن الكريم بالأخبار تحديدا.

ولا أتردد في  القول أنّ هذه التفسيرات شعوبية المنشأ وقد راح ضحية الغثاء الذي فيها امّة من الناس .

كيف يتصور من درس تأريخ الثلّة الماجدة المتفانية دون رسالتها أنّها تخذل  نبيّها لمجرّد اشارته لعلي بأنه خليفة من بعده!!

هل يمكن التصديق أنّ هذا الجهد المتواصل لرسول الله (ص) يذهب أدراج الرياح لمجرد عدم تبليغ الامّة بخلافة علي؟

أجل أنّ الآية (آية التبليغ) نزلت في أجواء تحصين المسلمين من خلال بلاغ النبي (ص) وصموده في وجه ما يكيد له يهود ونصارى المدينة وما تعدّه دولة الرّوم من خطط للأجهاز على الاسلام.

قال تعالى: ﴿ولو أنّهم أقاموا التوراة والأنجيل وما انزل اليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم امّة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون يا أيها الرسول بلّغ ما انزل اليك من ربّك وان لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس ان الله لا يهدي القوم الظالمين قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتّى تقيموا التوراة والأنجيل وما انزل اليكم من ربكم وليزيدنّ كثيرا منهم ما انزل اليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين﴾.

فالآيات في سياق واحد وتناسب يؤدي الى معنى واضح بما فيها من رابطة وقرينة تدّل بوضوح على أنّها تتحدث عن حالة تخصّ مرضى القلوب من اليهود والبصارى الذين يريدون كيدا بالاسلام وأهله.

الاقتتال من اجل الامامة

شاء الداعية الى وحدة الامة ووحدة المنهج أو لم يشأ فقد ضربت التقافة الطائفية أطنابها في العمق حتّى غدت نظريات مسلّم بها عند قطّاع لا يستهان به في الامة.

وكأن المسألة أصبحت تنظيما له حيثياته في مقابل الاسلام الذي هو الاسم الجامع للامة.

فمن لم يكن شيعيا بالمعنى الذي يطرحه الأعمّ الأغلب من الشيعة بما فيهم بعض أقطاب العلم في المذهب الشيعي فليس بمؤمن بل يحكم بإسلامه ظاهرا!!

وانا لا ألوم العامة من الشيعة فهم فتحوا أعينهم على هذه الثقافة التي يقوم بترويجها المتأكلون بدينهم، المتاجرون بعقائد الناس. انّما يقع اللّوم على أهل العلم والحريصين على الاسلام .

من المؤسف جدّا أن ينحر الاسلام  بالتشيع الرائج اليوم كما نحره الامويون من قبل ومن بعدهم أسلافهم ذوي الرؤى السوداوية.

من المسؤول عن التراث الشيعي المليء بما يفرق؟

وقفة قصيرة مع مرويات شكّلت عمودا فقريا لثقافة التمحور في الامامة يدلّنا على أنّ هذه المرويات هي المعتمدة في كل الميادين وهي الحاكمة للعقلية المذهبية بدل الدعوة الى الدين الاسلامي الخالص كما انزله النبي الكريم محمد (ص).

نموذج عن تلك المرويات:

ففي ‹الكافي› للكليني، عن عمر بن حنظلة قال “سألت أبا عبد الله الصادق عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما الى السلطان والى القضاة، أيحل ذلك؟”

قال الامام الصادق (طبقا للرواية) “من تحاكم اليهم (اي اهل السنة والجماعة) في حقّ أو باطل فإنما تحاكم الى الطاغوت وما يحكم له فإنما يأخذ سحتا وان كان حقّا ثابتا”.

قلت “فكيف يصنعان؟”. قال “ينظران الى من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخفّ بحكم الله وعلينا الردّ.”

قلت (والكلام ما زال لسائل الامام بحسب الرواية)  ”فإن كان كل رجل اختار رجلا من من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلف في حديثكم؟”

قال الصادق “الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث”.

قلت “فإنمهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على الآخر؟”

قال الصادق “ينظر الى من كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكمنا به، المجمع عليه من أصحابنا، فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك”.

قلت “فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟”

قال “ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة (اي أهل السنة والجماعة) فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة”.

قلت “جعلت فداك، أرأيت ان كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ؟”

قال “ماخالف العامة (اهل السنة والجماعة) ففيه الرشاد”.

قلت “جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعا؟”

قال “ينظر الى ماهم اليه أميل فيُترك ويأخذ بالاخر”.

قلت “فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا؟”

قال “اذا كان ذلك، فأرجئه حتى تلقى امامك فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات”.

بعد الامعان في هذه المروية التي يوجد مثلها الكثير في كتب المذهب، أقول، أن مثل هذه الروايات الداعية للخلاف، الخالية من الانصاف، البعيدة عن منهج الله، المخالفة لأصول الاسلام، إن صحّت، فأنا أكفر بكل القيم التي بُنيت عليها، وان لم تكن صحيحة، وهي كذلك فيما أعتقد، فلماذا  تبنى عليها تصورات ومواقف.

أليس “الرشد في خلافهم” مقولة لها صدى؟! هل يكون الرشد في خلاف من يشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله وأن القرآن كتابه والكعبة قبلته والقيامة موعده!!

خصائص الامام

لابدّ أن يتوافر للامام خصائص ومميزات حتّى تتّم له طاعة الامّة منها:

1- أن يكون حيّا يقود الحياة ويوجّه الأحداث، فالامام الذي مات لم يمت معه مشروعه بشرط أن يكون المشروع له فاعلية وحضور في حركة الامّة وتطلعاتها.

ويستثنى البعد العقائدي والقيم الدينية التي أرسى قواعدها الأنبياء فإنّها لا تموت بموتهم.

أمّا فيما يتصل بتأريخ الامام الشخصي وما قدّمه للامّة خلال امامته من عطاءات فتبقى موضع اعتزاز وتقدير وهي من تراث الامّة الخالد.

امّا فيما يتصل بالامامة الغائبة التي يعتقد بها الشيعة فليس لها في أعناقنا بيعة مالم يكن الامام حاضرا، أمّا الاعتقاد به ففي القلب لأنّه جزء من الغيب الذي أخبرنا به الرسول الأكرم (ص).

2- على الامام أن يملك خطّة عمل متكاملة وشاملة لكلّ مرافق الحياة، سياسية كانت أم اجتماعية، ثقافية أم اقتصادية، أم غير ذلك ممّا تحتاج الامّة من خلال خبراء ممارسين ومتخصصّين.

ويأتي هنا قول نبيّنا الأكرم (ص) “أنتم أعرف بامور دنياكم” ليطلق العقول كي تبتكر الأساليب الحديثة والآليات المعاصرة اذ المعاملات في الاسلام تتحرّك من وحي ما يحتاجه الواقع غير ما عليه العبادات. فالعبادات ثابتة.

3- تسنّم الامام لمهام الامامة السياسية تحديدا من خلال افراز طبيعي لتجربة الامّة القاسية وحراكها المستمر وتعاطيها الدائم مع من تجده كفئا لقيادتها وتحقيق مصالحها.

ولقد تمّ ذلك لعليّ (ع) يوم التمسته الامّة في أن يكون الخليفة بعد أن مرّت الخلافة في عهد عثمان (رض) بمآزق خطيرة.

وليست ثمّة ما يمنع من أن يكون الامام اماما في الفكر واماما في السياسة.

محاكمة التراث الحامل للسنة

لا يمثّل التراث الذي بين أيدينا بما فيه من غثّ وسمين شيئا مالم يعرض على المنهج.

وأعني بالتراث هو كل ماحصلنا عليه مكتوبا او مسموعا من أحكام فقهية وقضايا عقيدية وقصص وحكايات وأشعار تتصل كلّها بالدين.

وأعني بالمنهج هو ما تلقيناه بالتواتر المعنوي من جيل الى جيل منقولا عن رسول الله ﴿وانه لتنزيل ربّ العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربي مبين﴾.

فالفرق بين التراث والمنهج هو أنّ التراث وان كان قولا او فعلا للنبي الاكرم فإنه يحتمل صدوره منه او عدم صدوره،  ولا يمثل الاّ وثيقة لاتشكل مكوّنا دينيا مالم تطابق المنهج.

ولذا نعتبر ما صدر عن النبي (ص) رواية عنه واذا كان كذلك لابد من عرضه على المنهج.

واما المنهج فهو قطعي الصدور سالم من التحريف خال من التناقضات مجمع عليه من قبل الامة الاسلامية كمصدر اول للشريعة والعقيدة.

وقد أرسى صاحب الرسالة محمد (ص) قاعدة عرض التراث على المنهج فقال، “ألا ان رحى الاسلام دائرة” فقيل “كيف نصنع يارسول الله؟” قال “اعرضوا حديثي على كتاب الله فما وافقه فهو مني وأنا قلته”.

وقال (ص): ستكون عني رواة يرون الحديث فاعرضوه على القرآن فان وافق القرآن فخذوها والا فدعوها.

وورد عن الامام الصادق أنه قال “ماخالف كتاب الله فهو زخرف” وفي قول آخر،” ماوافق كتاب الله فخذوه وما خالفه فاضربوا به عرض الجدار”.

ولو أننا أخذنا ما يحلو لنا من التراث وما يوافق مزاجنا وتوجهاتنا من دون تحكيم القرآن الكريم في ذلك على قاعدة أن القرآن الكريم لا يفهمه الاّ أهل البيت، لأصبح مكان الكتاب الكريم الرفوف، ولم تعد حصته منّا الاّ استخدامه للاستخارة وقراءة سوره من أجل البركة والثواب.

والمتعصب ان كان من الشيعة او من غيرهم من المذاهب الاسلامية الاخرى يتمسكون بكل التراث على انه وارد قطعا من الرسول الكريم او من الأئمة المعصومين دون محاكمته او اثارة الشك اول المرويات ولااحاديث، حتى لو كان أغلبه مخالفا لقرآن أو سنّة اخرى أو عقل.

لذلك يعمد هؤلاء الى اعمال التأويل للتوفيق بين ما يظهر تناضه ونترك نسبته الى المعصومين متناسين أن هذا الركام الهائل الذي يحمل السمّ الناقع يقرأه من يعي ومن لا يعي فيشّكل موقفا ويكوّن تصورا يصبح عسيرا على التفكيك على الاخص مع غياب اي محاكمة جدية لتلك النصوص.

انّ أئمة أهل البيت (ع) أشاروا الى عملية التلاعب بالتراث وصرّحوا بأنّ أحاديثهم طالها التحريف.

يقول الامام الصادق: لا تقبلوا علينا حديثا الاّ ما وافق القرآن والسنّة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة، فإنّ ‹المغيرة بن سعيد› لعنه الله دسّ في كتب أصحابنا أحاديث لم يحدّث بها أبي فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنّة نبينا (ص).

وقال يونس بن عبد الرحمان: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر الباقر(ع) ووجدت أصحاب أبي عبد الله الصادق فسمعت منهم وأخذت كتبهم فعرضتها على أبي الحسن الرضا فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله، وقال لي ان أبا الخطّاب كذب على أبي عبد الله لعن الله أبا الخطّاب وكذلك أصحاب أبي الخطّاب يدسّون هذه الأحاديث الى يومنا هذا في كتب أبي عبد الله فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن.

الإسلام كما أفهمه

الإسلام كما أفهمه

مقدمة

بسم الله الرّحمان الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سبدنا محمّد وعلى آله الطاهرين وصحابته الطيبين.

وبعد:

تأتي هذه الموضوعات في وقت تشتّدّ حاجة شباب الاُمّة اليها بسبب شيوع الفكرالمنحلّ الذي عمّق ثقافة التطؤف وحصر الإهتمام بقراءة فكر المذهب – أي مذهب من مذاهب الإسلام كان – بعيداً عن نقاط التلاقي عند تلك المذاهب وهي كثيرة .

فنأت هذه الإهتمامات عن فكر القرآن الكريم وعن التعايش مع تجربة الإسلام في قيادته للعقل المسلم.

وأضحى هذا المسلم المتطأف متأزّما حتّى على بعض أتباع مذهبه فضلا عن غيرهم من أتباع المذاهب الاُخرى.

أمّا موقفه من غير المسلمين فهم بنظره كفّار تجب محاربتهم وإستأصالهم إن لم يذعنوا للإسلام ويقبلوا دعوته.

وهكذا يطغى الإشتباه في الرؤية ليجد هذا المسلم أنّ الله خلق الجنّة له دون سواه  فهو من الفرقة الناجية ! وباقي خلق الله في النار وبئس المصير.

إنطلاقاً من أنّ الله ما خلق أرضا مدحية ولا سماءاً مبنية ولا قمراً منيراً ولا شمساً مضيئة إلاّ لأجل الخمسة أهل الكساء محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين.

أو أنّه من أهل التوحيد الخالص على مذهب أهل السنّة والجماعة.

وكلّ من هؤلاء يحمل هذا الأمل الموهوم الذي أنتجه الجهل بالإسلام  وبقيمه الإنسانية العادلة.

عرضت في هذا الكتاب بعض وجهات نظري وهي في البدء حتّى الختام تصرخ بوجّه صنّاع المذاهب والناقمين على البشر أن لا مقدّس عندي غير القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهو الذي يقودني للإيمان بالرسالة والرسول وبالعقل والإنسان.

وأعتقد أنّها بضاعة مزجاة اُقدّمها لأبنائي في هذا الوقت الذي عزّ عليهم أن يكون رجل دين مسلم عاش نفس معاناتهم أن يكون صريحاً واضحاً ، وآخر دعواي أن الحمد لله ربّ العالمين.

طالب السنجري



من خصائص الاسلام

إسم الإسلام

الإسلام هو الإسم الجامع  لمعنى الإستسلام لله سبحانه، وإخلاص العبودية له، وهو يوحي بالسلام الذي هو مفتاح العلاقة بين المسلم وغيره.

وتحية المسلم للآخر مهما كان هي “السلام عليكم” وهي تنطلق صادقة من قلب خلقه الله سبحانه وعاءً للحبّ والسلام.

ولقد جاءت الآية الكريمة ﴿إنّ الدّين عند الله الإسلام﴾[1] لتؤكّد قيمة الخضوع لله تعالى دون سواه في اطار منهجه الذي أنزله على رسله الكرام عليهم السلام والذي يعتبر الاسلام آخر وجوه هذا المنهج.

ولقد وقف الإسلام بوجه الذين شوشوا هذاالإعتقاد ﴿وقل للذين أوتوا الكتاب والاميين أأسلمتم؟  فاءن أسلموا فقد اهتدوا﴾[2] .

فالاسلام يرفض أن تشوّش العقيدة الجامعة التي جاء بها أنبياء الله. وهم جميعا جاؤوا بنفس الرسالة، ولا يهمّه اختيار الفرد لأي دين من الاديان التي ارسلها.

فمن يتبنى دينا سماويا فهو مسلم بالمعنى العام للأسلام ﴿وما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما﴾[3].

ليس معنى ذلك إنكارا لليهودية أو النصرانية بل هو رفض للتخندق العنصري في دائرة الدّين.

عالمية الإسلام

لم يكن الإسلام دينا لجماعة بعينها،  أو اُمّة بعينها، بل هو للناس كافّة ﴿وما أرسلناك الاّ كافّة للناس بشيرا ونذيرا﴾[4].

نعم كانت إنطلاقة الإسلام الاُولى في الجزيرة العربية، وقام بتنظيم الحياة فيها، وجعل من أهلها امّة قائمة ذات حضارة، وبه أصبحت خير امّة اخرجت للناس، بيد أنّ مبادئه عالمية لا تقف عند قوم، ولا عند جيل، أو في حدود مرحلة زمنية معينة.

الاسلام صيحة خلاص منظّمة تجاوزت القوميات والجنسيات والألوان واللّغات، وأخذ الإنسان موضوعا له لينتشله من غياهب الجهل،  ويفكّ أسره،  وينهي إستعباده، ويربطه بربّه، من خلال ما قدّم له من أبعاد عقدية خالصة، وما توافر لديه من قواعد في نظامه السياسي والفكري والثقافي والأمني.

شمولية الإسلام

يغطي الإسلام ما يحتاجه الناس في حركة حياتهم، في حاضرهم ومستقبلهم، فلم يكن ليتحدّث عن قضية واقعة إلاّ وقفزت معان كلية تعالج قضايا في المستقبل.

وهذه المعاني الكلية تصلح لحلّ المشكل الذي يواجه إبن البادية كما تصلح لإبن الحاضرة سواء بسواء.

فالعبادات في الاسلام لا تخضع لتغيّر الأحوال فهي توقيفية، وما عداها فيمكن التعامل مع تلك القواعد العامة في الاسلام لاعطاء الموقف الذي يتناسب وطبيعة الحالة التي يعيشها الناس.

خلود الإسلام

تميّز الإسلام عن غيره من الدّيانات السماوية أنّ يد التحريف لم تمتدّ اليه ، فقد تكفّل الله حفظه فقال تعالى: ﴿إنّا أزلنا الذكر وإنّا له لحافظون﴾[5]. وكانت وراء هذا المنهج الرّبّاني اُمّة حفظته في صدورها،  وتعايشت معه في ضمائرها وعقولها،  وتعاملت به في حياتها،  وحكّمته في كلّ قضاياها. فلقد أذهل النصّ القرآنيّ اُمّة اللغة العربية فقامت معه، فهوالينبوع الذي تنهل منه الحكمة، والنهرالذي تغرف منه الأحكام.

وها قد مرّ على عمر هذا النصّ قرابة خمسة عشر قرناً من الزمن وهو حيّ ينبض بالحياة ، ونور يمشي به الناس في حالك الظلام.

خاتمية الإسلام

الإسلام هو خاتم الرسالات السّماوية، وقد تضمّن العقيدة الخالصة التي جاءت بها هذه الرسالات، وبعضا من أحكامها، وأنّ التدرّج الذي نشهده في حركة الديانات على إمتدادها الزمني فيما يخصّ الأحكام المتعلقة بأفعال المكلّفين إنّما روعي فيه محدودية تلك الرسالة على اُمّة معينة من الناس دون غيرها من الاُمم، فجاءت الأحكام الاسلامية أكثر مرانا وسعة وأقدر على العبور الى المستقبل بما تملك من قواعد عامّة قابلة للحياة ومستجيبة لما يريده الناس.

ومن هنا جاء قوله تعالى: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا﴾[6].

إنسجام الفطرة الانسانية مع الاسلام

شاء الله سبحانه أن تبدأ الخليقة بريئة تقودها الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها لا تبديل لخلق الله.

وبمصاف ما أودع الله في الانسان من فطر تقوده الى الخير فقد خلق معها المنهج وبعث النبيّين يوجهون هذه الفطر من أن لا تحيد عن مناهجه سبحانه.

فالمنهج الديني السماوي والفطرة السليمة ذواتا طبيعة واحدة، فإذا اُستعمل المنهج إستعمالا سيئا تنكّرت له الفطرة السليمة، وإذا تلوثت الفطرة بملوثات الجاهلية تنكّر لها المنهج.

وقوف الاسلام مع العلم

الشعار الاسلامي المرفوع دوما ﴿وقل ربّي زدني علما﴾[7] وهو الوجه الحقيقي للمسلم .

ودعاء المسلم المتواصل الى ربّه ليزيده علما بالدّين وبطرائق الدعوة اليه ويفتح عليه أبواب المعرفة الإنسانية يدفع به الى التعلّم وتلقّي العلم الذي يبني له الحياة.

فلا تقوم الدعوة الاّ بعلم  ولا يتمكن المسلم أن يحقّق نجاحا على كلّ صعيد إلاّ اذا كان عالما بحقائق الامور. فقد أطلق الإسلام العنان للعقل، وفتح له آفاقا واسعة، ولم يضيق عليه بفكرة، أو يحبسه في دائرة معلومات ضيقة، بل أمر الناس بالتأمل والتفكّر والتعقّل. فلا يعتزّ الإسلام بالمنتمين اليه وهم عميان لا يفقهون شيئا ﴿قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾[8].

صفات النبيّ (ص)

تميّزت شخصية نبي الإسلام محمّد (ص) بميزات فريدة جعلته محطّ أنظار قومه يومذاك.

فعلى المستوى الخَلْقي فقد تمتّع بجمال رائع، ولياقة بدنية فائقة، فوصفه واصفوه أنّه أبيض اللّون مشربا بحمرة، أدعج العينين (أي أنّهما سوداوان وواسعتان) سبط الشعر (أي منبسط مسترسل)،  كثيف اللحية ذا وفرة، دقيق المسربة (أي أنّ شعره ممتدّ بشكل خيط من لبّته الى سرّته)،  كأنّما عنقه إبريق فضّة، شثن الكفّين والقدمين إذا مشى كأنّما يتقلّع من صخر، وإذا أقبل كأنّما ينحدر من صبب، ليس بالقصير، ولا بالطويل، مدوّر الوجه، واسع الجبين، أزجّ الحواجب (أي أنّهما ممتدان بوفور الشعر فيهما)،  أقنى العرنين (أي أنّ في أنفه إحديدابا)، ضليع الفم (أي كبير)، أشنب مفلّج الأسنان (أي أنّ فمه رقيق متحدّر وله حدّة في أطراف الأسنان)، بادنا متماسكا، سواء البطن والصدر، بعيد ما بين المكبين، ضخم الكراديس (أي رؤوس العظام ضخمة)، ذريع المشية (أي أنّ خطواته واسعة من دون استعجال[9].

وأمّا خصاله الاخرى فهي كثيرة منها، أنّه ومنذ ولادته فقد احيط برعاية ربانية، اذ أوكل الله به أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره[10].

وبشّر الله سبحانه به في كتبه التي أنزلها على أنبيائه(ع) ﴿وأنّه لفي زبر الأولين﴾[11] ﴿الذين يتبعون النبيّ الاميّ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل﴾[12].

ولقد كان الكهّان والرهبان والأحبار والموحدون يبشّرون به قبل ولادته.

وكان يجاور  (حراء) وهو جبل بمكّة يتفكّر ويتأمّل ويتحنّث على اُصول الحنيفية الغرّاء.

وكان معروفا في قومه بالصّادق الأمين ، ممّا دعا خديجة بنت خويلد أن تعتمده في تجارتها ، كما كان موضع إحترام قومه رغم صغر سنّه فقد حكّموه في خلاف وقع بينهم هو أيّهم يضع الحجر الأسود مكانه فحكم لهم وقبلوا بحكمه.

وحتّى إذا بلغ الأربعين من عمره و بلغ صفاء قلبه أن يحتمل رسالة ربّه ، بعثه الله نبيّا للناس كافّة ﴿قل يأيها الناس إنّي رسول الله اليكم جميعا﴾[13].

وقرن الله تعالى طاعته بطاعته، ومعصيته بمعصيته ﴿ومن يطع الله ورسوله يدخله جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ، ومن يعص الله ورسوله ويتعدّ حدوده يدخله نارا خالدا فبها وله عذاب مهين﴾[14].

وتكفّل الله سبحانه الدّفاع عن نبيّه حين شعرت قريش أنّ الإسلام سيديل وجودهم القائم على قهر الناس وإستعبادهم فقالوا عن رسول الله أنّه كذّاب وأنّه مجنون وأنّه ضال لعلّ ذلك يبعد عنه الذين وقفوا معه، فردّ الله سبحانه ماقالوا ﴿ما أنت بنعمة ربّك بمجنون﴾[15] وقال تعالى ﴿ما ضلّ صاحبكم وما غوى﴾[16].

وأخصّ الله سبحانه أهل بيته الذين وقفوا معه  فأنزل بهم قرآنا ﴿قل لا أسألكم عليه أجرا الاّ المودّة في القربى﴾[17].

فلسفة التنزيل

منذ نزول القرآن الكريم على نبيّنا محمّد(ص) وهو يقود العقل المسلم وآياته منهج لحركة الناس في الحياة، وقد تماسكت الامّة مع قرآنها فحفظته في صدورها،وتعايشت معه في إنتصاراتها وانكساراتها ،وفاءا له إذ أخرجها من الظلمات الى النور وجعل منها خير اُمّة اُخرجت للناس.

ولقد شعر العابثون والمعتاشون على ديانات السّماء أنّ هذا المنهج سينهي وجودهم، فنهضوا جميعا لحربه والوقوف ضدّ توهجّه.

وإبتدأ الصراع آخذا أشكالا متعددة وأساليب متنوعة، ووقفت الامّة بكلّها تردّ العاديات، حتّى ضرب الاسلام بجرانه الأرض، وأحكم المسلمون سيطرتهم ، وتنفّس المحرومون الصعداء، وزاول أهل الديانات ممارسة عباداتهم من دون عنت أو ضيق، ووجد الناس ضالّتهم فيه، إذ كانت أهدافه تتلخّص باخراج الناس من عبادة العباد الى عبادة الواحد الأحد، ومن ضيق الدنيا الى سعة الحياة، ومن أسر المناهج دينية كانت أم غير دينية الى رحابة المنهج الذي ساوى بين ديانات الله، كما ساوى بين الناس، فلا فضل لعربي ولا لأعجمي على آخر الاّ بالتقوى، وأنّ الناس سواسية كأسنان المشط، فضرب منطق الجاه والعشيرة والعرق واللون والجنسية عرض الحائط،

معلنا “كلّكم لآدم وأدم من تراب” وجعل التقوى مقياسا للتعامل مع الآخر، وثبّت الحوار ثقافة وفتح له القنوات على طريقة ﴿وإنّا أو ايّاكم لعلى هدى أو في ضلال مبين﴾

ولقد إنحاز بعض من أهل الكتاب اليه إيمانا بما جاء به وأنّه لا يتقاطع مع ما يعتقدون، وكابر البعض منهم فزرعوا الأشواك في طريقه، وفتحوا عليه حروبا ظالمة ومنها الحروب الصليبية، وقد خرجت الامّة فيها مكلّلة بالنصر من عند الله.

وانّى للحاقدين عليه أن يتركوه وهم يرون تقدّمه، ودخول الناس فيه  زرافات ووحدانا، فأدرك الغرب أنّ سرّ التقدّم هذا يكمن في القرآن الكريم نفسه.

لنقرأ معا ما فاله الغربيون عن القرآن ونتعرّف على حقدهم عليه.

يقول المبشّر ‹تاكلي›: يجب أن نستخدم القرآن وهو أمضى سلاح في الاسلام ضدّ الاسلام نفسه حتّى نقضي عليه تماما،  يجب أن نبيّن للمسلمين أنّ الصحيح في القرآن ليس جديدا وأنّ الجديد فيه ليس صحيحا[18].

وقال رئيس وزراء بريطانيا ‹غلادستون›: ما دام هذا القرآن موجودا في أيدي المسلمين فلن تستطيع اوروبا السيطرة على الشرق[19].

وقال ‹تشرشل› رئيس وزراء بريطانيا: إنزعوا هذا الكتاب من حياة المسلمين أضمن لكم السيطرة عليهم.

وقالت ‹تاتشر› رئيسة وزراء بريطانيا: لقد قضينا على الشيوعية وبقي علينا أن نقضي على الإسلام.

وقال ‹لويس التاسع› ملك فرنسا عند هزيمته في الحماة الصليبية: إذا أردتم أن تهزموا المسلمين فلا تقاتلوهم بالسلاح وحده فقد هزمتم أمامهم في معركة السلاح ولكن حاربوهم في عقيدتهم فهي مكمن القوّة فيهم.

وقال المبشّر ‹وليم جيفورد›: متى توارى القرآن ومدينة مكّة من بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرّج في طريق الحضارة الغربية بعيدا عن محمّد وكتابه.

وقال البروفيسور ‹ريتشارد كروسمان›: هدف هذه الحرب تحطيم أخلاق العدو وإرباك نظرته السياسية ودفن جميع معتقداته ومثله التي يؤمن بها والبدء باءعطائه الدروس الجديدة التي نود إعطائها له ليصار يعتقد بما نعتقد به نحن[20].

مع حملة القرآن الكريم

أشراف الامّة

الأحاديث الشريفة

* قال رسول الله (ص): يقال لصاحب القرآن إقرأ وإرقّ، ورتّل كما كنت ترتّل في الدّنيا فإنّ منزلتك عند آخر آية تقرؤها.

* وقال (ص(: إقرؤوا القرآن فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه.

* وقال (ص): مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترّجة طعمها طيّب وريحا طيّب. ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها طيّب ولا ريح لها. ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيّب وطعمها مرّ. ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مرّ ولا ريح لها.[21]

* وقال (ص): حملة القرآن هم المحفوفون برحمةالله، الملبوسون نور الله. يا حملة القرآن تحبّبوا الى الله بتوقير كتابه يزدكم حبّا ويحببكم الى خلقه![22]

*وقال(ص): أشراف امّتي حملة القرآن وأصحاب الليل.[23]

* وقال (ص): إنّ أحقّ الناس بالتخشّع في السّرّ والعلانية لحامل القرآن، وإنّ أحقّ الناس في السّرّ والعلانية بالصلاة والصيام لحامل القرآن.[24]

معنى القرآن الكريم

* القرآن الكريم ميثاق بين طرفين، بين الله سبحانه وبين المخاطبين به، المؤمنين به، الذين دخلوا الاسلام  فكان القرآن الكريم كتابهم.

* القرآن الكريم منهج لحياة المسلم يتكفل بناء عقله، وروحه، ووجدانه، وما يتصل بشؤون حياته كلّها.

* وأنّ أية اُمّة تعيش من دون منهج فهي اُمّة متخلّفة لا وزن لها بين اُمم الأرض.

* وأنّ أمّة تتوافر على منهج ولم تعيه، ولم تؤمن به، ولم تحرص على تطبيقّه، فمثلها كمثل الحمار يحمل أسفارا.

* وبقدر ما يكون القرآن الكريم منهج اُمّة الاسلام في علاقاتها السياسية والفكرية مع غيرها من الامم،  فهو كذلك منهج الفرد المسلم في علاقته بربّه ومجتمعه.

* فالقرآن مسؤولية الامّة المسلمة ومسؤولية الفرد المسلم، فإذا انحسر دور القرآن في قيادة الحياة، فلا ينحسر دوره في قيادة الأفكار، وتهذيب الروح والعقل.

* لقد بات على المسلم أن يقرأ هذا المنهج بتدبّر ووعي، فهو نوره الذي يمشي به في الناس، والنبع الذي من دون الأرتواء منه يظمأ المسلم وتذبل أغصان روحه وثقافته.

* وإذا كان القرآن الكريم المنهج الالهي للمسلم، فهو لغيره مشروع للبلاغة والفصاحة، والحكمة المتعالية، والمادّة التأريخية التي تستعرض حياة الأنبياء، وما مرّت به البشرية من هبوط وصعود.

* والقرآن الكريم هو كتاب هداية وبركة، وهو عدّة المتصوّف، وأذكار المتألّه، وحاجة الفقيه، ودليل المتحيّر، ولكنّه ليس محصورا بهما.

* ونفهم من خلال هذه الاطلالات ما جاء عن نبيّ الاسلام محمّد (ص) من أنّه يقال لصاحب القرآن إقرأ وارقَ، فلا يرقى من غير عمل، أو أن يأخذ معنى دون آخر.

فالذي يقرأ القرآن الكريم بتدبر ووعي وينزله الى ممارسة يتحرّك بها في الواقع، بما توحي ممارساته أنّها مستقاة من القرآن، بما يمثّل ذلك دعوة حيّة الى عظمة كتاب الله فمثله كالاترّجة طعمها طيّب وريحها طيّب .

والمؤمن الذي يهتدي بهدي القرآن، وممارساته ممارسات قرآنية، غير أنّه لا يقرأ القرآن  بمعنى أنّه لا يوحي سلوكه هذا أنّه من أهل الدراية  بكتاب الله ومن العاكفين عليه، فمثله كمثل التمرة طعمها طيّب ولا ريح لها.

وأمّا الذي يركن الى القرآن على أنّه كتاب بلاغة وفصاحة وما فيه من إشارات هامّة الى علوم شتّى، ولكنّه لا يهتدي بهداه، ولا يحكّمه في قضاياه،  فمثله كمثل الريحانة ريحها طيّب، وطعمها مرّ.

وأمّا الفاجر الذي حاد عن القرآن كمنهج في الحياة وهو محسوب على المسلمين، فمثله كمثل الحنظلة طعمها مرّ ، ولا ريح لها

فلسفة الدعاء

ينطلق الدعاء من حاجة العبد وطمعه، حاجته الى المطلق وهو الله وطمعه به لأنه الكبير المتعال، المالك المتصرف.

فالدعاء نبض الروح وهو مخّ العبادة، نبض الروح الايماني، وهو الحاكي عن جوهر العبادة، وليس له لغة محدّدة بل هو إعلان عن حاجة بأي كيفية كان هذا الاعلان، برعشة القلب المخلص، أو بتمتمة الشفاه، أو بمدّ أيدي الضراعة.

أتظن أنّ الله لا يسمعك؟ بلى هو السميع البصير: إذن أنت تدعوا ربّا يسمعك، فكن حاضرا بين يديه راغبا في إجابته.

ولذّة المناجات تكفي إذا لم يتحقّق المطلوب، لأنها النفح الذي يهبّ على القلب بعبق الرّضا، والبوح الذي يوحي بالوصال.ومن هنا نفهم كيف أنّ الله لا يعبأ بنا لولا دعاؤنا، ﴿قل لا يعبأ بكم ربّي لولا دعاؤكم﴾[25] من أجل أن لا نقطع جسور التواصل بالمولى سبحانه.

ومن المؤكد أنّك اذا أردت الوصال فلا تضع على الطريق ما يعرقل المسير، بل اجعلها مسيرة واثقة على طريق لاحب، فلا إصرارعلى معصية، ولا إعلان فسوق، ولا عمل بما لا يرضي الله ﴿ربّ إجعلني مقيم الصلاة ومن ذرّيتي ربّنا وتقبل دعاء﴾[26].

والدعاء بحدّ ذاته ضرورة عبادية وحاجة بشرية يمارسه الانسان لا على أساس تحقيق المكاسب المنظورة، والمصالح المتوقعة، بل هو أداء، وربّنا هو الكريم الوهّاب، فإن أعطى فهو أهل للعطاء، وان منع فلمصلحة، وما على المؤمن إلاّ أن يدعو ربّه في سرّائه وضرّائه، في مواطن عزّه وذلّه، في فقره وغناه، في صحته ومرضه ﴿قل أرأيتم من ينجيكم في ظلمات البرّ والبحر تدعونه تضرّعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجّيكم منها ومن كلّ كرب ثمّ أنتم تشركون﴾[27].

من أدعية القرآن الكريم

﴿ربّنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين﴾

﴿ربّنا عليك توكانا واليك أنبنا واليك المصير﴾

﴿ربّنا آمنّا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين﴾

﴿ربّما أتمم لنا نورنا واغفر لنا، انّك على كلّ شيء قدير﴾

﴿ربّنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاّ للذين آمنوا، ربّنا انّك رؤوف رحيم﴾

﴿ربّنا تقبّل منّا انّك أنت السميع العليم﴾

﴿ربّنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا، واغفر لنا، ربّنا انّك أنت العزيز الحكيم﴾

﴿ربّنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين﴾

﴿ربّنا آتنا من لدّنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا﴾

﴿ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرّياتنا قرّة أعين، وإجعلنا للمتقين إماما﴾

﴿ربنا إصرف عنّا عذاب جهنّم، إنّ عذابها كان غراما، إنّها ساءت مستقرا ومقاما﴾

﴿ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار﴾

﴿ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربّنا ولا تحمل علينا إصرا كما حماته على الذين من قبلنا، ربّناولا تحمّلنا مالا طاقة لنا به، واُعف عنّا، وإغفر لنا، وإرحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين﴾

﴿ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدّنك رحمة، إنّك أنت الوهّاب﴾

﴿ربّنا إنّنا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربّكم فآمنّا، ريّنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفّر عنّا سيئاتنا وتوفّنا مع الأبرار، وآتنا ما وعدتنا على رسلك، ولا تخزنا يوم القيامة انّك لا تخلف الميعاد﴾

﴿ربّنا إغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب﴾

﴿ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ، أن أعمل صالحا ترضاه، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين﴾

﴿ربّ اجعلني مقيم الصلاة ومن ذرّيتي ربّنا وتقبّل دعاء﴾

﴿ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذرّيتي انّي تبت اليك وانّي من المسلمين﴾

﴿ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي﴾

﴿ربّ إنّي أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم، وإلاّ تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين﴾

﴿ربّ إغفر لي ولوالديّ ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلاّ تبارا﴾

﴿ربّ لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين﴾

﴿ربّ أعوذ بك من همزات الشياطبن وأعوذ بك ربّ أن يحضرون﴾

﴿ربّ أدخلني مُدخل صدق وأخرجني مُخرج صدق وإجعل لي من لدّنك سلطانا نصيرا﴾

﴿ربّ أنزلني مُنزلا مباركا وأنت خير المنزلين﴾

من أدعية الرسول الأعظم

* لا اله الاّ الله العظيم الحليم، لا اله الاّ الله ربّ العرش العظيم، لا اله الاّ الله ربّ السماوات وربّ الأرض وربّ العرش العظيم.

* اللهم إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك.

* اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنّتك، ومن اليقين ما تهوّن به علينا مصيبات الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا ما أحييتنا واجعلهما الوارثين منّا، وإجعل ثارنا على من ظلمنا، واُنصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلّط علينا من لا يرحمنا.

* اللهم لك الحمد كلّه، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لما أضللت، ولا مضلّ لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرّب لما باعدت، ولا مباعد لما قرّبت، اللهم أبسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك.

* اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا اُحصي ثناءا عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.

من أدعية الامام عليّ (ع)

* أسألك بحقّك وقدسك وأعظم صفاتك وأسمائك، أن تجعل أوقاتي،  في الليل والنهار،  بذكرك معمورة، وبخدمتك موصولة، وأعمالي عندك مقبولة، حتّى تكون أعمالي وأورادي كلّها ورداً واحداً، وحالي في خدمتك سرمداً، ياسيدي! يامن عليه معوّلي! يامن اليه شكوت أحوالي! ياربّ ! ياربّ! قوّ على خدمتك جوارحي، واشدد على العزيمة جوانحي، وهب لي  الجدّ في خشيتك، والدوام في الاتصال بخدمتك، حتّى أسرح اليك في ميادين السابقين، واُسرع اليك في المبادرين، وأشتاق الى قربك في المشتاقين، وأدنو منك دنوّ المخلصين، وأخافك مخافة الموقنين، وأجتمع في جوارك مع المؤمنين.

من أدعية الامام الحسين (ع)

في يوم عرفة

* يامن أذاق أحباءه حلاوة المؤانسة، فقاموا بين يديه متملّقين! يامن ألبس أولياءه ملابس هيبته، فقاموا بين يديه مستغفرين! أنت الذاكر في الذاكرين، وأنت البادي بالاحسان قبل توجّه العابدين، وأنت الجواد بالعطاء قبل الطالبين، وأنت الوهّاب، ثمّ لما وهبت لنا من المستقرضين، الهي اطلبني برحمتك حتّى أصل اليك، وإجذبني بمنّك حتّى أقبل عليك، الهي إنّ رجائي لا ينقطع عنك وإن عصيتك، كما أنّ خوفي لا يزليلني وإن أطعتك.

* أود أن أنوه الى أنّ الأدعية المهمّة في التراث الإسلامي هي الصحيفة السجّادية للامام زين العابدين عليّ بن الحسين (ع).

التوحيد الخالص في أدعية أهل البيت

أدعية أهل البيت عليهم السلام هي نبض الروح التي صنعها توحيد الله سبحانه، وقام على تهذيبها وتنميتها رسول الإسلام محمّد بن عبد الله(ص).

فأدعيتهم هي نتاج حاجتهم للمطلق الذي يوفّر لهم مناخ التعايش معه، والذوبان فيه.

وهي إشراقة روح تعلّقت بالله فأعطاها النور الذي تمشي به في الناس، ومنحها الحضور الدائم في دائرته، ما منعهم من التعرّض لغضبه سبحانه، فعصموا أنفسهم من الإقتراب على معصية، أو إقتراف خطيئة.

وتأتي أدعيتهم إمتدادا لأدعية أنبياء الله ورسله، ومن هنا فقد إحتلّت عند أهل المعرفة منزلة كبيرة، بما إختزنته من جذبات روحية عالية الصفاء.

فحين حجب الظالمون أهل البيت من ممارسة دورهم في قيادة الواقع السياسي، فإنّهم لم يتمكنوا أن يحجبوا نورهم من الإختراق الى قلوب العارفين. وما الطرق الصوفية إلاّ واحدة ممن بقي يطوف على تراث أهل البيت الروحي.

فالدعاء بشكل عام حاجة النفس المفتاقة الى الله “والمؤمنون لا ينوون نكولا عن تكليف الله أيّا كان، ولكنّهم فقط يتوجّهون اليه راجين متطلعين أن يرحم ضعفهم فلا يكلفهم مالا يطيقون كي لا يعجزوا عنه ويقصروا فيه… وإلاّ فهي الطاعة المطلقة والتسليم… إنّه طمع الصغير في رحمة الكبير… ورجاء العبد الضعيف في سماحة المالك المتصرّف وطلب ما هو من شأن الله في معاملته لعباده من كرم وبرّ وودّ وتيسير”[28].

ولقد إتسعت قلوب أهل البيت لمفردات دعاء لها فرادة في أدب المتأله الواصل، بل ومن هو في بداية الطريق.

وأي دعاء يشم منه غير رائحة التوحيد الخالص لله عز وجل فإنّه مدخول عليهم انتحله المغرضون ونسبوه اليهم. ومن أمثلة هذه الادعية ما يسمّى بدعاء الندبة، ودعاء التوسّل.

وباستعراض مفردات تلك الادعية التي نسبت الى اهل البيت يتضح سبب رفضنا لها، فهي تشرك بالله عبر التوسل الى شخص النبي (ص) او الامام علي (ع) وتجعل مناجاتهما مساوية لمناجاة الله، في وقت ردد القرآن الكريم ﴿ومن يجعل مع الله اله آخر ﴾

ومن هذه الادعية:

“يامحمّد ياعليّ،  ياعليّ يامحمّد، إنصراني فإنّكما ناصراي،  وإكفياني فإنّكما كافياي، يامولانا يا صاحب الزمان، الغوث الغوث، أدركنا أدركنا، الساعة الساعة”.

وليس جزافا أن نعتبر هذه الأدعية مخالفة للقرآن الكريم الذي علّمنا التوحيد الخالص: ﴿أليس الله بكاف عبده﴾ وقوله ﴿إن تنصروا الله ينصركم﴾.

أجل إنّ الدعاء مخّ العبادة، ويحتاج الداعي الى حزمة أدعية تنتقل به الى ساحة توحيد خالص، والى مفردة تشيع في روحه جوّا من أدب العبودية.

ما يلي بعضا من ادعية التوحيد الخالص:

علّم الأمين جبرائيل عليه السلام نبيّنا محمّدا (ص) هذا الدعاء:

“يامن أظهر الجميل، وستر القبيح، يامن لم يؤاخذ بالجريرة، ولم يهتك الستر، ياعظيم العفو، ياحسن التجاوز، ياواسع المغفرة، ياباسط اليدين بالرحمة، ياصاحب كلّ شكوى، ياكريم الصفح، ياعظيم المنّ، يامبتدئا بالنعم قبل إستحقاقها، ياربّنا وياسيدنا ويامولانا وياغاية رغبتنا، أسألك يالله أن لا تشوّه خلقي بالنار”.

وعلّم رسول الله (ص) عليّا(ع) هذا الدعاء:

“يا عماد من لا عماد له، ويا ذخر من لا ذخر له، ويا سند من لا سند له، وياحرز من لا حرز له، ويا غياث من لا غياث له، يا كريم العفو، يا حسن البلاء ، يا عظيم الرجاء ، يا عزّ الضعفاء، يا منقذ الغرقى، يا منجي الهلكى، يا محسن، يا مجمل ، يا منعم، يا مفضل، أنت الذي سجد لك سواد الليل، ونور النهار، وضوء القمر، وشعاع الشمس، ودوي الماء، وحفيف الشجر، يالله يالله يالله، أنت وحدك لا شريك لك.

وهذا مقطع من دعاء عليّ (ع) المعروف بدعاء كميل:

“أسألك بحقك وقدسك وأعظم صفاتك وأسمائك، أن تجعل أوقاتي في الليل والنهار بذكرك معمورة، وبخدمتك موصولة، وأعمالي عندك مقبولة، حتّى تكون أعمالي وأورادي كلّها وردا واحدا، وحالي في خدمتك سرمدا، ياسيدي يامن عليه معوّلي، يامن اليه شكوت أحوالي، ياربّ ياربّ ياربّ، قوّ على خدمتك جوارحي، وأشدد على العزيمة جوانحي، وهب لي الجدّ في خشيتك، والدوام في الإتصال بخدمتك، حتّى أسرع اليك في ميادين السابقين، وأسرع اليك في المبادرين، وأشتاق الى قربك في المشتاقين، وأدنو منك دنو المخلصين، وأخافك مخافة الموقنين، وأجتمع في جوارك مع المؤمنين”.

هذه هي نماذج من أدعية لا تشم منها رائحة شرك ولا تتقاطع مع أدب القرآن الكريم في هذا الإتجاه.

هدف النبوات

لقد أرسل الله سبحانه أنبياء، وأنزل كتبا، وباشر الأنبياء(ع) مهامّهم، وكوّنوا امّة من الناس قامت معهم بمهمّة الدعوة الى توحيد الله تعالى وتثبيت ركائزه في الحياة.

وتناسقت حركة الأنبياء جميعا بوحدة المنهج، ووحدة الهدف، مع اختلاف طرائق العمل، إذ لكلّ نبيّ ظروفه الخاصّة التي لا تشابه ظروف نبيّ آخر، وذلك تابع لتغيّر الزمان والمكان، ولما يحتاجه الانسان وما لا يحتاجه، تبعا لتجدّد أحواله، وتبدلات حياته.

ولو إجتمع الأنبياء كلّهم في مكان واحد وفي زمن واحد لما رأيت إختلافا بينهم يذكر، ذلك أنّهم معصومون فلا هوى يقودوهم الى الفرقة، وليس لديهم دنيا عريضة يرتكنون اليها، ولا نظرتهم الى الاُمور قصيرة فتدفع بهم الى الإختلاف، ولا هم ممن يجنح لشهوة عابرة فتقودهم الى التناحر.

إنّ الذي يقودهم الى التوحّد هو المنهج الواحد، والهدف الواحد. ولقد ذكر الله سبحانه أهدافهم، عليهم السلام، في كتابه المجيد ﴿لفد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط﴾[29]. فلقد عبّر سبحانه بالكتاب، بيد أنّه تعالى أرسل بيد كلّ نبيّ كتاب، فهي اذن كتب كثيرة، وليس هو كتاب واحد، ليقول لنا أنّ جوهر هذه الكتب جوهر واحد، وهدفها هدف واحد.

ولنا هنا بعد هذه المقدمة الذي أوضحنا فيها أنّ هدف الأنبياء الرئيس هو التوحيد الخالص لله سبحانه، والذي سينتج بالضرورة وحدة الكلمة بين الناس كلّ الناس، أن نذكر بعض أهداف النبوات عبر التأريخ.

الهدف الاجتماعي

فلقد جهد أنبياء الله على تهيئة ظروف بناء المجتمع الذي يعيشون، من خلال الكلمة الهادية، أو من خلال ممارسة حكم، أو ماتهيأ لبعضهم من ثروة.

ولقد مارسوا فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من أجل النهوض بمجتمعاتهم، وارساء العدالة والمحبة فيها، بالطريقة التي يرونها، ايمانا منهم أنّ المجتمع الصالح هو المجتمع المشبع بالمحبة والتآخي. وهو المجتمع الذي يقوم على عمود الرقابة الاجتماعية، والذي لا يرى فيه الفرد الاّ “نحن” المجتمع ، لا “أنا” الفرد. وبذلك يكون المجتمع هذا عصيّا على الفتن، مواجها للأعاصير مهما كانت عاتية.

وما الخيرية لأمّة الاسلام التي ذكرها الله في كتابه ﴿كنتم خير امّة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر﴾[30] الاّ شاهدا على حيوية المجتمع، وكبير دوره في ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالطرق الحضارية والانسانية، وكان ذلك بإشراف رسول الله (ص) نفسه، فخلق امّة واعية استجابت له، ونهضت معه للبناء.

وعليه، اذا انتكست الامّة، تفتقد تلك الخيرية. والانتكاسة ليست الا حالة مرّت بها الامّة في وقت من الأوقات، وهي ليست ملازمة لها على طول الطريق.

الهدف الثقافي والفكري

لقد كان أنبياء الله أوّل من أرسى مباديء الثقافة في مجتمعاتهم، على اعتبار ان الثقافة هي مجموعة الرؤى والقراءات في الكون والحياة والانسان.

وإذا أردنا من الثقافة تزكية النفس الانسانية من الرذائل، وتنقيتها من الشوائب، بما يضاف اليها التعليم الذي يأخذ بيد المثقّف الى التماسك مع أعراف مجتمعه وقيمه ومثله العليا، نجد الله يقول: ﴿ويزّكيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة﴾[31] . فأنبياء الله جميعهم هم في صدارة من قاموا بعمليتي التربية والتعليم.

وأمّا الثقافة بالمعنى المتعارف عليها اليوم فالدين لوحده وإن انطوى على هتافات الثقافة الإنسانية الحرّة فهو لا يمنح ثقافة معاصرة. (ليست موفقة ولا واضحة: هل تقصد ان فهم الدين المعاصر لا يوصل الى ما وصلت اليه الحضارة المعاصرة او لا يتواكب معها؟)

فالإسلام يبارك كلّ نتاج إنساني نافع وبنّاء، فالجدير بالمتدين أن يفتح عينه على ما في الحياة من رؤى جديدة، حتّى وإن تقاطعت مع (الفهم التقليدي للـ) الدّين في بعض الخصوصيات، فيثري تجربته بمّا شهدته الساحات الثقافية من نتاج خيّر ومفيد.

الهدف الأخلاقي

هدف رسالات الأنبياء هي بعث القيم الأخلاقية، فهي وجهها الوضّاء الذي يذيب جليد مكابرة النفس الشرّيرة (الامارة بالسوء ان لم تقوم وتربى على القيم السامية). ولقد كان الخطاب الربّاني لمحمّد (ص) شديد اللّهجة ﴿فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفظّوا من حولك﴾[32] بمعنى أنّ الجهد الذي بذلته يا محمّد وما ستبذله سيذهب إدراج الرّياح إذا كنت قد قدّمته بفظاظة الى الناس!!.

ولمن يسبر أغوار التشريعات السّماوية كلّها يرى أنّ سقوفها التشريعية قائمة على أعمدة أخلاقية، وعمادها الناس.

ومن هنا اختصر نبيّنا (ص) بعثته بقوله: إنّما بعثت لاُتمم مكارم الأخلاق.

الهدف العقيدي والسياسي

أن “أن لا اله الاّ الله” هي المنهج الذي يقوم عليه نظام الحياة في الإسلام فهو ليس مجرّد إيمان يعيشه المتدين في قلبه فحسب، بل لابدّ أن يكون  له حضور دائم في واقع الحياة،  فاذا كانت “لا اله الاّ الله” منهج حياة وتصوّرا يحكم الوجود كلّه،  فلابدّ من العمل لتهيئة ظروف حاكمية هذا المنهج، عبر الدعوة الى قبوله من خلال الحوار البنّاء، والوسائل الحضارية التي تختصرها الآية المباركة ﴿لا اكراه في الدّين﴾[33]. فإذا ذوت هذه الحاكمية من الواقع السياسي والاجتماعي، فليس بإستطاعة أحد أن يذويها من القلوب والضمائر.

لاإكراه في الدّين

وقوفا عند روح القرآن الكريم لقراءة الحديث المروى عن رسول الله(ص): من بدّل دينه إقتلوه.

الاسلام خاتم الاديان

الاسلام هو الديانة السماوية الخاتمة لديانات الله سبحانه وأن مافي الاسلام من تشريعات يمثل الطرح السماوي الاخير المتناغم مع فطرة الانسان المنظّم لحركته في ميادين حياته كلها، المتظمنة قواعد كلية يتسنى للعقل أن يلعب دوره في إستنباط الجزئيات منها والتي من شأنها الاستجابة لحاجاته في الحياة، هذا فيما عدا الجانب العبادي فإنّه توقيفي فلا اجتهاد فيه ولا إمعان نظر.

ومن هنا فالدين هو الطرف الواصل بالعلاقة بين الانسان وبين الله سبحانه في خطه العبادي التوقيفي وليس ذلك مقصورا على دين بعينه بل أبواب الاديان مشرعة للعابدين.

إذن مالفرق بين الاسلام وبين غيره من الاديان؟ أجل ليس هناك فرق يذكر اذ كلّها طرق موصلة الى الله تعالى مع إختلاف الاداءات والممارسات والطقوس.

ولكنّ الإسلام يختلف عن غيره من الديانات في جانبه التشريعي إذ هو عقيدة وشريعة ودين ودولة بيد أنّ الديانات الاُخرى لم تك كذلك.

والاسلام يريد للمسلم ولغير المسلم ماذكره الله في كتابه: ﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد الاّ الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله﴾[34].

فالكلمة السواء هي التي تحكم علاقات المسلم بالاخر وهي التي تنطلق بتوحيد الله سبحانه ليحكم الواقع كله.

وهذا المعنى يشكّل العمود الفقري لثقافة المسلم حاكما كان المسلم أم محكوم.

وبذلك فالاسلام هو الحاضن لكلّ الأديان وهو الدائرة التي تتسع لمن يبني الحياة تحت أي لافتة.

يقول الله سبحانه في أهل الكتاب العادلين البانين صرح التوحيد من خلال ما اُنزل اليهم الذين يعملون على القواسم المشتركة فيما بينهم وبين غيرهم أنّ لهم أجرهم الذي يساوي أجر المسلم الذي يتحرك على هذا الطريق ﴿وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما اُنزل اليكم واُنزل اليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا اُولئك لهم أجرهم عند ربهم إنّ الله سريع الحساب﴾[35].

فالتعايش السلمي والوقوف على الكلمة السواء والتدين بأي دين من أديان السماء من دون إثارات أوغوغاء هو مطلب الاسلام كدين يقود الحياة.

فاذا قدّر لمسلم أن يبدل دينه في ظلّ هذه الرحابة هل يستحق القتل ؟!

الآثار المترتبة على تبديل العقيدة

لم يكن إختيار أي دين من الأديان قائما على القوة ذلك إذا زالت القوة زال الدين إنّما هو قائم على قناعات وجدانية وتأملات عقلية وهي لا تزول بالاكراه. نعم، قد يحجّم الإكراه حركة الدين في الواقع الاجتماعي والسياسي والتعليمي ولكنه يبقى حيا في النفوس ماثلا في الوجدان مستقرا في العقول.

وقد رأينا كيف إنحسر الاسلام في فترات زمنية وفي مواقع عديدة ولكنه بقي عقيدة تتحرك في الناس تبني لهم جسور التواصل مع الله سبحانه،

ورأيناه وقد أسس دولة كيف فرش الارض زهورا لأديان السماء لتعيش في كنف دولته بحرية تامّة لأنّه لايجد تقاطعا فيما بينه وبينها.

ومن هنا نفهم ﴿إنّ الدين عند الله الإسلام﴾[36] ذلك الدين الذي يمثل خلاصة الاديان وروحها.

ولو تغيرت القناعات في إطار العقيدة وإختار المسلم منهجا عقائديا آخر فلا خوف عليه وهو حرّ في اختياره على طريقة ﴿إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون﴾[37] . فاذا كان هؤلاء في أمن وأمان يوم القيامة فهل يعيشون الخوف في الحياة الدنيا؟! والاسلام كدين يتعامل مع البشرية من دون استثناء في المدى الانساني الذي يتطامن الناس في ظلّه، ويعيشون أحرارا كراما كما أراد الله ذلك لهم، وليس فيه ما يدعوا الى تهديد إنسانية الانسان.

وفي المدى العقيدي، للاسلام، كغيره من الديانات الاُخرى، له أدبياته في هذا الاتجاه وهي لاتتقاطع بحال مع غيره، فالمرء وما اختار من عقيدة، له الحرية المطلقة، ولا يرتّب الاسلام أثرا على تبدّل القناعات، أمّا المدى الذي يرتّب الإسلام عليه الآثار فهو المدى التشريعي ذلك إذا أصبحت له دولة فهو يصبح مسؤولا عن أمن المجتمع واقتصاده وسلمه وحربه فلا يسمح لأحد تحت لافتة الدين أن يهدّد أمن الاُمّة وإقتصادها.

حرية إختيار العقيدة

انّ الاسلام كنظام للحياة لا يسعه الاّ أن يترك باب اختيار العقيدة مفتوحا وبذلك تتجلى قوته في التعامل مع غريزة الحرية التي فطر الله الناس عليها ولا تبديل لخلق الله.

وأديان السماء برمّتها تأخذ الانسان موضوعا لها ولن تتحقق سيادة لهذا الانسان على الارض الذي جعله الله خليفته عليها الاّ  باعطائه الحرية في اختياراته.

ومن هنا جاءت النصوص القرآنية تثبت هذه المعاني بكل جلاء ووضوح كما في قوله تعالى: ﴿انّا هديناه السبيل إمّا شاكرا وإمّا كفورا﴾[38].

وقوله تعالى: ﴿من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾[39].

وقوله تعالى: ﴿لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيّ، فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم﴾[40].

ولقد جهد الاسلام في إعطاء الصورة المثلى للإيمان من خلاله في إطار كونه واحدا من روافد الايمان ﴿ملّة أبيكم ابراهيم﴾[41].

وعاش الناس على مختلف عقائدهم وتعدّد مشاربهم في ظلّ الاسلام متطامنين آمنين على نفوسهم وأموالهم وأعراضهم.

ولم يذكر أنّ الناس قد دخلوا في الإسلام مجبرين ومكرهين بل سجّل التأريخ أنّ اليهود والنصارى وعموم أهل الكتاب وغيرهم عاشوا في فسحة من الحرية وفضاءا لم يحلموا فيه .

ولقد كان القرآن الكريم يتابع التوجيه لقائد التجربة الفريدة محمد بن عبد الله (ص) لئلاّ تبدر منه كلمة فيها رائحة إكراه للايمان بما يؤمن كما في قوله تعالى: ﴿ولو شاء ربُّك لآمن من في الارض كلّهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين﴾[42]

وقال تعالى: ﴿لعلك باخع نفسك ألاّ يكونوا مؤمنين﴾[43]. فالله سبحانه يروّض نبيّه ومن معه من المؤمنين ألاّ يهلكوا أنفسهم لمجرد أنهم قلّة في دائرة التوحيد على الطريقة الاسلامية ذلك أنّ حبال العقيدة تمتدّ وتمتدّ مع قدرة مايقدّمه الاسلام من قناعة في هذا الاتجاه. ولا زال الانسان مجبولا على الارتباط بالمطلق اذن هو دوما يتطلع الى النور.

وفي العقيدة الاسلامية ما يدفع الانسان الى التعايش مع النور وليس على الذين يغشاهم النور إلاّ العمل والدلالة على مواقعه: ﴿فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين اوتوا الكتاب والاميين أأسلمتم فان أسلموا فقد اهتدوا وان تولوا فانما عليك البلاغ والله بصير بالعباد﴾[44].

صيحة خلاص

يقوم الاسلام على الوضوح فلا غموض فيه ويقوم على الدليل وشعاره دوما ﴿قل هاتوا برهانكم﴾[45].

ولقد بدأ مسيرته بإقرأ ولكن بإسم الله لا بإسم الشيطان وأدرك أنه سيكون واقعا يتحرك على الارض بما يملك من فرادة في منهجه على مستوى العقيدة والشريعة سواء.

ولقد بلّغ نبي الاسلام محمد(ص) هذا المنهج بأداء رائع فوجد المحرومون أن خلاصهم من القيود دينية كانت أم دنيوية في هذا المنهج الجديد فهبّوا اليه وإنتشروا في ساحته  وآمنوا به.

ولقد أزعج دخول الناس في الدين أفواجا بعضا من رجالات المؤسسة الدينية من أهل الكتاب فأعلنوا دخولهم في الإسلام كيداً به في وجه النهار أي أوله ولكنّهم يخرجون منه في آخره ليقولوا أن هذا الدين لايساوي شيئا والبقاء معه خسارة في إطار لعبة نفسية وحرب خفية كانت قد إستقطبت أمثالهم ولكنّ الثلّة الماجدة حاصرت هذه الظاهرة المكشوفة لديهم.

وقد سجّل القرآن هذه الظاهرة بقوله: ﴿وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين أمنوا وجه النهار وأكفروا آخره لعلهم يرجعون﴾[46].

بيد أنّ هؤلاء تركوا على حالهم مع ماكانوا يثيرون في وجه الرسالة من تشكيك.

وجهد النبيّ (ص) في خلق اُمّة من الناس تجاوزت بإيمانها كلّ التشكيكات وتفوقت بإرادتها الحرّة كلّ الحروب المفتوحة عليها لأنها آمنت أنّ الدين لواقع.

وكان لابدّ لهذه الامة أن تنجح في التجربة وهي أول تجربة لحاكمية الدين الخاتم الذي لو نجح لبرز الوجه التوحيدي لحركة النبوات عبر التأريخ ناصعا ويخسر اُولئك الذين ألفوا العيش في الظلام.

فأسّس الإسلام لعملية الحوار على قاعدة ﴿وانّا أو ايّاكم لعلى هدى أوضلال مبين﴾[47]. ماجعل المهلهلين علميا وإنسانيا أن ينكفؤوا  ولحق به الممتلؤون علميا وانسانيا من أتباع الديانات الالهية وتهافتت أمام هذا المنطق الحواري كلّ مقولات القائلين بأن الاسلام قد انتشر بالسيف.

لقد استعمل الاسلام السيف لحماية العفل من التخريف والعلم من التدليس والحرية من القيود والارادة من الانهيار ليحقق للمظلومين النصر والمحرومين الانجاز في ظلّ السقف الانساني الذي حرموا منه.

فتنة الارتداد

يتوقع أن تحدث ظاهرة الإرتداد عن الدين لمجرد شبهة أو تغير قناعة أو ماشابه وليس هناك من وسيلة عند القائمين على الأمر الاسلامي الاّ إعطاء علاجات وبدائل وإعمال حوارات من شأنها أن تضع قطار المرتدين على سكّة الدين.

فلا سلطة لأحد على أحد ولا ولاية،  وليس صحيحا أن يفرض الدين فرضا ، وأن عمل الرسول(ص) ودعوته الناس لهذا الدين كان قائما على هدايتهم بالحكمة والموعظة الحسنة والقرآن الكريم من وراءه يخاطبه ﴿لست عليهم بمسيطر﴾[48].

فالاسلام كأي طرح من الطروحات يراد له أن يطبق مناهجه عبر الاساليب التي تنفتح لها القلوب وتستريح لها النفوس،  وأنّ صدق الداعي وملائمة المنهج وطبيعة الواقع الذي يعيشه الناس هما الضمانة لنجاحه .

ومن هنا قال الله سبحانه لنبيه: ﴿فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فضّا غليظ القلب لانفضوا من حولك﴾[49].

بمعنى أن لا طائل من وراء المنهج وان كان ربّانيا اذا كان القائم عليه قاسيا.

فالمسألة إذن تتعلق بالطريقة والاسلوب والأداء مع مراعاة الثوابت في المنهج.

فمن ثوابت المنهج الاسلامي حرية الاختيار وإحترام رأي ما أجمعت الاُمّة على إختياره .

فإذا اختارت الاُمة الاسلام نظاما يقود حركتها في كلّ شؤونها فينبغي إحترام هذا الإختيار وإن اختيارت غيره نظاما فيبقى دينا يقود العقل والمشاعر.

واذا كان الامر كذلك فأين نضع الحديث الشريف : من إرتدّ عن دينه فاقتلوه؟.

لقد كشف لنا التأريخ الاسلامي في بداياته أنّ كثيرا من أهل الكتاب بقوا على دينهم وأن من المسلمين من إرتدّ عن دينه وسارت الحياة على نسق واحد من دون مضايقات ولا مشّادّات وأن الذي حدث أن الاسلام لمّا أقام دولته في المدينة أراد تحصين الجماعة المسلمة الفتية من عوامل الاختراق والتصدّع فانه منع من بقاء الزوجة إذا إرتدّ زوجها أو الزوج اذا إرتدت زوجته من دون أن يقتل هذا أو تقتل تلك.

وأفهم الحديث الوارد بشأن قتل المرتد هو اذا ما شكّل المرتد فتنة في المجتمع فانه يقتل لفتنته لا لارتداده، ذلك أن الفتنة تعني مصادرة الحريات وتقود الواقع الى بلاءات.

حروب الردّة

حدثت حروب الردّة زمن الصدّيق أبي بكر إذ ارتدّت بعض القبائل عن الاسلام فأثاروا الفتنة وهددوا الأمن العام .

ولم يكتف المرتدون عن الاسلام عن العقيدة فحسب بل هددوا الدولة بضرب عمودين مهمّين هما الأمن والإقتصاد.

ففي المجال الإقتصادي إمتنع بعض المسلمين عن دفع زكواتهم الى الخليفة ورأوا أن يدفعوها الى غير جهاز الدولة وهذا من شأنه يقلل من هيبة الدولة ويضعف قدرتها في التعامل مع الواقع كلّه.

وفي المجال الأمني فقد أعلن عن إدّعاء البعض النبوة مثل سجاح وطليحة ومسيلمة مما أحدث ذلك إرباكا وفتنة وأخذت بعض القبائل ترتدّ عن الاسلام  وبدأت منافذ الحرب تتسع ضدّ من بقي في الدائرة الاسلامية وضدّ الدولة.

فجهّز الخليفة أبو بكر الصدّيق جيشا بقيادة خالد بن الوليد الى الذين إمتنعوا عن دفع الزكاة من أجل إرجاعهم الى ماكانوا عليه زمن النبي (ص) فأصرّوا على موقفهم ودارت بين الطرفين مشّادّات راح ضحيتها الصحابي الجليل مالك بن نويرة ، ولم تكن الدولة في قتال هؤلاء وهي في مرحلة حسّاسة راغبة في فتح حرب تضعف من قدرتها ولكنها كانت مجبرة على خوضها تثبيتا لعامودها الاقتصادي.

وكذلك خاضت حربا مع أصحاب الفتنة من المرتدين من أجل أن لاتقبر التجربة في مهدها ويتعرض أصحابها للإبادة فقامت الدولة بتجهيز جيش للدفاع عن حريم الدولة وإستتباب الأمن وقمع الفتنة.

ولقد إحتفظ التأريخ بمجموعة أخطاء إرتكبها مقاتلوا الدولة اقدّر أنها طبيعية ذلك أن الكيان العام هو أكبر من الأفراد وان كانوا من عالية القوم، وفي ذلك أن مالك بن نويرة دفع ضريبة الكيان وأن الدولة أدّت المهمة من موقع الدفاع عن الكيان.

وتشير حروب الردّة الى حرص الامة على دينها ووعيها بضرورة الحفاظ على كيانها في ظل حكومة ترعى مصالحها في توفير الأمن ولقمة العيش الكريم.

المسلم الحق

البعد العبودي

للشخصية الاسلامية ملامح واضحة يكشف عنها انتماؤها للدين وحرصها في التعايش معه والتعامل مع الواقع بآليات مدروسة.

فالاسلام دين الحياة وله نظراته وتفسيراته للكون والحياة والانسان التي ينفرد بها من كونه نظاما قابلا للتطبيق في كلّ مكان وفي كلّ زمان وأنّه ربّاني.

والمسلم ازاء هذه المعلومة عن دينه يتوسّل الأسباب المشروعة والآليات المتاحة لتقديم دينه منهجا يقود الحياة.

وليس سوى شخصيته الناجحة من يملك المفاتيح للدخول الى قلوب الناس، ونتلمس ذلك في قول الله تعالى لنبيّه (ص): فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك.

بمعنى أنّ الجهد الذي تبذله من أجل الاسلام يذهب ادراج الرياح اذا لم تتوافر على أخلاق تتعامل بها في الناس.

فالاخلاق هي الحاضن لكلّ مقوّمات الشخصية المسلمة

والبعد العبودي: وأعني به المقام الجاذب الذي ولّده التوجّه الصادق والارتباط العميق والحضور الدائم في حضرة المولى جلّ جلاله، وهذا المقام هو أعلى المقامات وبه تشرّفت حركة النبوات، وقد وصف الله سبحانه محمّدا بأنه عبده بقوله ﴿تبارك الذي نزّل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيرا﴾[50] قبل أن يصفه بوصف آخر.

ومنشأ التأكيد على هذه الصفة لتحصين المسلم من الانبهار بغير الله عزّ وجلّ، وتخليصه من ازدواجبة الفكر، والقلق النفسي، والثبات على المبدأ.

ولقد جاهد المتألهون حتّى حصلوا على جذوة من نور ورشحة من هذا المقام.

وأول خطوة على طريق المجاهدة هي أن يصلح المرء فيما بينه وبين ربّه، فاءن خطاها بوثوق أصلح الله بينه وبين الناس، وبذلك تترقّق له القلوب، وتقبل اليه النفوس، وتتنزّل عليه السكينة، وتفتح له أبواب السماء ان اغلقت أبواب الأرض.

ثمّ يتلوها الحلم وهو صفة بارزة للشخصية المسلمة وبه وصف الله سبحانه نبيّه ابراهيم (ع) بقوله: ﴿انّ ابراهيم لحليم أوّاه منيب﴾[51] وكذلك العقل أو التعقّل كما في قوله تعالى : ﴿وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها الاّ العالمون﴾[52] بأسرار الكتاب المنزل على محمّد(ص) وكذلك الحبّ فبدونه تتغير المعادلة بين العبد وربّه كما في قوله تعالى : ﴿يا أيها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبّونه﴾[53] ويترشّح من حبّ الله حبّ مخلوقاته، وكذلك الذكرفاءنّ بذكر الله تطمئن القلوب ومنشأ اطمئنانها أنّها مرتبطة شعوريا بالمطلق يقول الله تعالى: ﴿الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب﴾[54]، وكذلك الصبروهو عملية تمرّد يقودها المسلم ضدّ المغريات والأهواء والنزوات ، في السرّاء والضرّاء ، في حال فقره وغناه، وصبر غلى الاستقامة كما أمر الله سبحانه

هذه بعض الملامح المهمة في تكوين المعاني العبودية عند المسلم.

المظهر الخارجي

لقد ورد عن النبي الأكرم محمّد (ص) أنّه قال: “النظافة من الايمان”[55]، بما تشتمل عليه النظافة ماديا ومعنويا، ظاهريا وباطنيا.

فبقدر ما اعتنى الاسلام بالعقل والاسرار والضمائر بوضع اسس لبنائها فاءنه اعتنى بالمظهر الخارجي كملمح للنجاح.

وركّزالاسلام في حركة المسلم قدوة يقتديها واسوة يتأسى بها فقال ﴿لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة﴾[56]، فهو القدوة والاسوة لكل متذوق في الحياة.

فكان (ص) يعتني بمظهره اعتناءا بالغا فيلبس ما ينسجم مع بشرته وقامته، فكان له قباء سندسي فيلبسه فتحسن خضرته على بياض لونه، وكان له كساء أسود فوهبه فقالت له امّ سلمة: بأبي أنت وامّي ما فعل ذلك الكساء الأسود؟ فقال: ( كسوته) فقالت: “ما رأيت شيئا قطّ كان أحسن من بياضك على سواده”[57]، كما كان يلبس الملابس البيضاء ويقول “ألبسوها أحياكم وأمواتكم”[58].

وكان له شملة يأتزر بها ويلبس النمرة يأتزر بها فيحسن عليه النمرة لسوادها على بياض ما يبدو من ساقيه وقدميه[59].

وكان يخصّ ببعض ملابسه ما يتلائم وطبيعة المناسبة التي يحضرها، فلقد كان له ثوبان لجمعته خاصّة سوى ثيابه في غير الجمعة[60].

وكان (ص) قبل أن يخرج من بيته يمشّط شعر رأسه وشعر لحيته[61] وكان يدهن رأسه ولحيته بالبنفسج ويقول أفضل الأدهان[62].

وكان ينفق في الطيب أكثر ممّا ينفق في الطعام[63] و كانت له ممسكة اذا هو توضأ أخذ بيده وهي رطبة فكان اذا خرج عرفوا أنّه رسول الله برائحته[64]، وكان اذا كان يوم الجمعة ولم يكن عنده طيب دعا ببعض خمر نساءه فبلّها في الماء ثمّ وضعها على وجهه[65].

وكان يستاك قبل نومه وبعد قيامه من نومه وعند خروجه الى كلّ صلاة[66].

وكان (ص) لا يأكل الثوم ولا البصل ولا الكرّاث[67] فهو لا يحرّم أكلهما ولكّنه يكره رائحتهما.

وهكذا كان رسول الله قمّة في الذوق الانساني يأتسر القلوب باختياراته كلّها .

فما يمنع المسلم اليوم من أن يساير العصر في اختياراته على مستوى الملبس وتصفيف الشعر وتنوّع العطور وما شابه.

فليس من الصحيح أن يحرن المسلم على طريقة واحدة لا زال كلّ ذلك يقع في دائرة الحلال أو المباح ﴿قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا﴾[68].

الاستقامة في السلوك

لكلّ دين سماوي بل لكلّ طرح ارضي برنامج ينطلق من وحي ما تنطوي عليه هذه الأديان والطروحات، وجميعها تعنى بتنظيم سلوكيات الانسان، غير تلك التي تعتبر الأخلاق قيما برجوازية فتدعوا للتحلّل والانفلات.

والاسلام هو أحد هذه المكونات الذي يضع المسلم على الجادة المستقيمة في كلّ ما يتصل بمخزونه العقيدي أو الفكري أو العاطفي أو الاجتماعي أو السياسي أو غير ذلك ممّا يدخل في بناء شخصيته.

بيد أنّه يدع المجال مفتوحا للمسلم في تشكيل شخصيته وفقا لما يعيش من أعراف شريطة أن لا تتعارض مع مباديء دينه. ومن هنا لا ينظر للمسلم المستقيم في غير البعد العقدي لأنّه في القلب هو من التزم سلوكيات السلف في تقليد لباسهم او أي مظهر لهم لا يتماشى مع القيم المعاشة والأعراف المعاصرة.

ولقد أمر الله سبحانه نبيّه بقوله ﴿واستقم كما امرت﴾[69] بعد أن عهد اليه أمر العقيدة والدعوة اليها من خلال الحوار الهاديء والأساليب البنّاءة والسلوك السوي.

وهذه مسؤولية شاقّة والامّة يومها امّة شرك وتحتاج الى جهد مضاعف في تهيئتهم لقبول العقيدة ، علما أنّه (ص) كان بينهم يسمّى الصادق الأمين.

فبما في العقيدة الاسلامية من قوّة، وما عند رسول الله من أداء ومصداقية شقّ الاسلام طريقه رغم كلّ المعوّقات.

فلم يكن الزيّ الاسلامي يوما هو الفاتح بقدر ما تكون سلوكيات المسلم واداءاته الطيبة هي الجاذبة.

فالدين المعاملة كما ورد عن النبي الأعظم (ص) والمعاملة المستقيمة هي التي جعلت شعوبا تدخل الاسلام.

ولقد قال الله سبحانه مخاطبا نبيّه ﴿فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك﴾[70].

فسرّ نجاح محمّد (ص) يكمن في استقامة سلوكه، وحسن أداءه ،وعظيم هديه، وجميل سمته.

فسلوكه (ص) في بيته لا يختلف عن سلوكه خارجه والذين وقفوا بوجهه لأنّه فاجأهم بعقيدة غير عقيدتهم.

ولم يختلف معه أحد في ما يتصل بسلوك أو معاملة غير مستقيمة.

فالشخصية الاسلامية هي المنضبطة سلوكيا في الخلاء أو في العلن، في البيت أو في المسجد، في الدائرة أو في الشارع، اذ تشعر أنّها دوما في محضر الله وأنّها المسؤولة عن القيم التي بعث بها المصطفى (ص) بجعلها تتحرك في أرض الواقع.

الطبع الاجتماعي النبيل

في اطار المقولة “الانسان اجتماعي بالطبع” فهو تحيط به مجموعة علاقات اجتماعية واسرية ومنظومة علاقات فردية حميمة وغير حميمة، كلّ هذه تجعل الانسان يجهد نفسه في وضع قانون يقوده الى تحمّل أعباء المسؤولية الاجتماعية، اذ لا يتسنى له أن يعيش وحيدا في هذه الدنيا أو يصنع لنفسه نظاما خاصّا به، بعيدا عن الحالة الاجتماعية، فالانسان اجتماعي بطبعه، ومن الانس بالآخرين اشتقّت كلمة الانسان كما يقولون.

ويدخل الاسلام كنظام اجتماعي فإنّه يخضع المسلمين، كلاّ حسب مقدوره وسعة تحمّله، لنظام متناسق يقود الحياة الى وئام فتنشأ في المجتمع المحبة ويسود الوئام.

فلا مناص للمسلم من التخلّي عن هذه المسؤولية ﴿يا أيها الناس انّا خلقناكم  شعوبا وقبائل لتعارفوا انّ أكرمكم عند الله أتقاكم﴾[71].

فالمجتمع الانساني الواسع الطويل الممتدّ يخضع لنظريات أرضية بعضها عادل وبعضها الآخر جائر، ومسؤولية المسلم- ازاء هذه الظواهر- تقديم حلّ عادل لخلاص الانسان من ظلّ الجور والكتاتورية الى رحابة العدل والعيش الكريم.

ولا تقوم النظرية لمجرّد أنّها عادلة وصحيحة اذا لم تكن هناك خطوة عملية على أرض الواقع وتأسيس لبنة صالحة ليقوم عليها البناء الكبير.

فقد لحظنا أنّ أّوّل عمل قام به رسول الله (ص) حين وصل الى المدينة المنورة وهو يروم اقامة حكومة العدل الالهي، لم تكن شعاراته ملصقة على الجدران فحسب، بل وجدناه يتحرّك عملّيا لتتحرّك النظرية  في حيّز التطبيق، فقد آخى بين المهاجرين والأنصار، وهاتان الطبقتان هما في طليعة البناء الاجتماعي لاقامة حكومة العدل، وقد تناسى الناس في ظلّ هذا الاخاء جراحهم القديمة ليبدأؤوا حياة جديدة في اخوة على أساس الله الواحد الأحد.

ولم تكن هذه الاخوة يومئذ لقلقة على اللّسان، بل هناك أفعال تشير الى صدق اللّسان، اذ تقاسم المسلمون المال فيما بينهم، وبدأت تتشكّل العائلة المسلمة من خلال الزواج والمصاهرة، وتعاهد الجّار جاره، وتفقّد الغني الفقير، واحترم الصغير الكبير، وعلّم العالم الجاهل، وتحرّك المجتمع بكلّ أطيافه في تشيّيد البناء الاجتماعي الذي أسّس للاسلام فيه سمعته، وأبدى صلاحية تطبيق مبادئه ومناهجه.

وغدا مبدأ التكافل الاجتماعي أهمّ المباديء التي يدعو الاسلام اليها كفريضة “من لم يهتمّ بامور المسلمين فليس منهم” و”ومن بات شبعان وبجنبه جار جائع فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه”[72]، وأمثال هذه الاعلانات كثيرة فيما تضمّنه القرآن الكريم وما جاء على لسان النبي الأعظم (ص) ومن فعله وممارسته.

فلا يجد المسلم ازاءها الاّ أن يعمل ﴿وقل اعملو فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون﴾[73].

وقد منع الاسلام العزلة لغير ضرورة اذ يروى أنّ النبيّ (ص) افتقد أحد أصحابه فسأله عن سبب تخلّفه عن مجلسه فقال يا رسول الله انّي أردت أن آتي هذا الجبل فأخلو فيه فأتعبّد فقال له النبيّ (ص) لصبر أحدكم ساعة على ما يكره في بعض مواطن الاسلام خير من عبادته خاليا أربعين سنة[74].

فوظيفة المسلم هي اقامة وحدة مترابطة لانشاء مجتمع انساني نبيل في المدى الأشمل، وفي المدى الوسطي انشاء المجتمع المسلم الخالي من العقد والأزمات القائم على التراحم والمحبة يقول الرسول الأعظم(ص): ترى المؤمنين في توادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمّى[75].

مطابقة القول مع العمل

ركّز القرآن الكريم على مطابقة الأقوال مع الأفعال حفاظا على شخصية المسلم من الانهيار، فقال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لاتفعلون؟ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون﴾[76] لينطلق المسلم في الواقع محمّلا بثقل المسؤولية واهمية الكلمة وصدق الموقف ، ذلك أنّ الدعوة التي قادها محمّد (ص) دعوة انقلاب على واقع جاهلي بكل تفصيلاته، وأنّ المسلم موكول اليه متابعة الخطى مع القائد ليحقّق النصر لها على كلّ المستويات.

فإذا تردّد المسلم في حالات السّلم أم في حالات الحرب فسيخسر موقعه ويفتح ثغرة ضعف وخوار في جسد الدعوة، يتحمّل نتائجها في الدنيا والآخرة.

فالاسلام يريد للمسلم أن يرتّب وعيه للعقيدة على أنّها المخلّص له من الخرافة،  المنطلقة به في رحاب واسعة، سعة الدنيا بما فيها.

ولقد كان رسول الله (ص) هو القدوة في هذا الاتجاه ، فقد استوعب بسبق المبادرة واتباع قوله بالعمل كلّ مفردات الحياة البشرية ، فحين يدعو للجهاد تجده أول من يلبس للحرب لامتها، واذا وعظ المسلمين  بعدم الارتكان الى الدنيا فهو أول الزاهدين فيها ﴿ولقد كان في رسول الله ما يدلّك على مساويء الدنيا وعيوبها، اذ جاع فيها مع خاصّته، وزويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته﴾[77].

الابتعاد عن الانفعال

لم يكن الانفعال والجزم منهجا سليما في الحوار مع الآخر ولم نسمع يوما أنّ الحوار الموضوعي العاقل لم يأت بثمار.

فقد ركّز الاسلام على الحوار كمنهج، وبدأ النبيّ الأكرم (ص) بالحوار مع الآخرين وهو في مكّة وكانت مكّة تعجّ بألوان الشرك وبالصدود لكلّ دعوة لا تلامس عقائدهم.

وقد أدرك النبيّ (ص) أنّ الحوار يبدأ من كونه يحمل فكرا مغايرا وهو على استعداد للتنازل عنه اذا كانت حججهم أقوى من حجّته، ووسيلته الى ذلك الصبر على مرادهم وقد سجّل الله سبحانه قيم هذا الحوار بقوله ﴿وانّا أو ايّاكم لعلى هدى أو في ضلال مبين﴾[78].

فلم ينطلق بشيء مع الآخر على أنّه نبيّ بل رأيناه (ص) في صلح الحديبية وقّع على وثيقة الصلح كونه محمّد بن عبد الله.

فحين أدركت قريش أنّها أمام أمر واقع، وأدرك محمّد (ص) أنّ أبواب الحوار لم تكن مشرعة بالشكل الذي يتسع للنبيّ أن يطرح قضايا العقيدة على بساط الحوار ، فاءنّه اكتفى كما أرادت قريش بكتابة وثيقة للصلح، فقال لعليّ (ع) اكتب يا عليّ بسم الله الرّحمان الرّحيم، فقال سهيل بن عمرو وهوموفد قريش: هذا الكتاب بيننا وبينك يامحمّد، فافتتحه بما نعرفه، واكتب باسمك اللّهم، فقال النبيّ لعليّ امح ما كتبت، واكتب باسمك اللّهم، فقال عليّ لولا طاعتك يارسول الله ما محوت بسم الله الرّحمان الرّحيم، ثمّ محاها، وكتب باسمك اللّهم.

فقال النبيّ اكتب: هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله سهيل بن عمرو، فقال سهيل لو أجبتك في الكتاب الذي بيننا الى هذا لأقررت لك بالنبوة، فسواء شهدت على نفسي بالرضا أو أطلقته من لساني، امح هذا الاسم واكتب هذا ما قاضلى عليه محمّد بن عبد الله، فقال له عليّ انّه والله لرسول الله على رغم أنفك، فقال سهيل اكتب اسمه يمضي الشرط، فقال له عليّ ويلك ياسهيل كفّ عن عنادك فقال له النبيّ امحها ياعليّ، فقال يا رسول الله لا تنطلق يدي بمحو اسمك من النبوة ، فقال له فضع يدي عليها فمحاها رسول الله بيده[79].

أعتقد أنّ  الانفعال والجزم والتمسّك بالرأي هي التي تدمّر عملية الحوار ، والتعالي على القضايا الشخصية أو الاجرائية العرضية هي الي ساعدت على انجاح  الصلح كما رأينا.

الشخصية الانسانية

الشخصية المسلمة شخصية اممية انسانية لأنّها تستمدّ مقوماتها من دينها، والاسلام دين انساني عالمي ليس مقصورا على شعب أو قبيل أو امّة بعينها بل هو للناس كافّة من دون تفريق بين أسودهم وأبيضهم عربيهم وأعجميهم .

وكلمة الرسول محمّد (ص) “انّما بعثت للناس كافّة” هي تعبير دقيق عن هذه العالمية، وكذلك أخذه الجزية من أهل الكتاب مع قبوله بقاءهم على ديانتهم يشكّل دليلا عمليا على أنّ الاسلام يريد أن يقف كلّ الناس وراء كلمة التوحيد من أجل أن تتوحّد كلمتهم على بناء الحياة وسعادة الانسان واعمار الأرض.

وجاء الخطاب القرآني مخاطبا الناس ان يوحّدوا الله سبحانه من دون ذكر شيء آخر كما في قوله تعالى:  ﴿يأيها الناس اعبدوا ربّكم الذي خلقكم﴾[80].

وكذلك حكى القرآن الكريم عن النبيّ (ص) ﴿يأيها الناس انّما أنا لكم نذير مبين﴾[81]. ذلك أنّ الاسلام  في مداه التوحيدي والانساني هو دين أنبياء الله جميعا. قال تعالى حكياية عن نوح النبي حين تولّى عنه قومه ﴿فإن تولّيتم فما سألتكم من أجر ان أجري الاّ على الله وامرت أن أكون من المسلمين﴾[82]

ولقد وصّى ابراهيم الخليل بنيه بهذا الدين ﴿يابني انّ الله اصطفى لكم الدين فلا تموتنّ الاّ وأنتم مسلمون﴾[83].

وكذلك يوسف النبي حكاية عنه ﴿توفّني مسلما وألحقني بالصالحين﴾[84].

وانتهاءً بما حكاه الله عن موسى وعيسى عليهما السلام ﴿وقال موسى ياقوم ان كنتم آمنتم بالله فعليه توكّلوا ان كنتم مسلمين﴾[85].

وقوله تعالى عن عيسى ﴿فلّما أحسّ عيسى منهم الكفر قال من أنصاري الى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنّا بالله واشهد بأنا مسلمون﴾[86]. والنبي مسؤول عن تركيز هذا الفهم في الأذهان.

ومن هنا تهافت منطق القبيلة ، واخمدت نيران العصبية، وولّى الفكر القومي المحدود، وغدا الاسلام مترجّما لحركة الأنبياء ليكون الدين القيّم.

التوازن والوسطية

لا يملك الفرد المسلم ولا الامّة المسلمة مفاتيح النجاح الاّ اذا امتلكا آليات عمل متوازنة ووسطية.

فالاسلام أعطى للروح حقّها وأوصى أن يعطى للمادّة مثلها ، وجعله يتطلّع الى جنّة عرضها السماوات والأرض كما شدّه لدنياه ﴿وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا﴾[87].

وشدّد على الذين اعتزلوا الحياة وجانبوا طيّباها ﴿يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انّه لا يحبّ المسرفين قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق﴾[88].

وفي دعاء القرآن الكريم ﴿ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة﴾[89] ما يدعوا الى التوازن في العبادات والمعاملات والسياسة والاقتصاد وفي كلّ شؤون الحياة الأخرى.

وهذا المنحى يشكّل تهديدا لذوي النزعات الصوفية غير المتوازنة. فليس لهؤلاء أن يشيدوا امّة يحكمها منهج الله الذي وازن بين الدنيا والآخرة، والذي وضع أحكاما تتماشى مع البشرية وهي في قمّة رشدها ودعا الامّة التي تشرف على تطبيق منهج الله أن تكون الامّة الوسط ﴿وكذلك جعلناكم امّة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا﴾[90]. فوسطية امّة الاسلام يتمثّل في عقيدتها التي تقوم على الايمان بكتب السماء كلّها وبأنبياء الله كلّهم فهي شاهدة على هذا النور الذي أخذ بيد الانسان الى الايمان بالله وحده وأخرجه من ظلمات الكفر والضلال.

ووسطيتها كذلك تتمثّل في شخصيتها التي صاغها الاسلام لها تلك الشخصية التي لا تسمح بالذوبان والانحلال في بوتقة الحضارات المادية أو تساير النظم الأرضية التي ترفع رايات العداوة للأديان السماوية.

وهي وسط فيما يدعوها العقل أن تأخذ من كلّ ما يجدّ بما له مصلحة بنفع الانسان، وضالتها الحقيقة وهدفها الحكمة تأخذهما أنّى وجدتهما.

مسؤولية شباب الاسلام

انّ على شباب الاسلام في أيّامنا الراهنة مسؤوليات خطيرة، اذ هم المحرّك الأساس لعجلة الاسلام، في صراعه الدائر مع خصومه.

ولقد أنشأ نبيّ الاسلام (ص) الحلقة الاولى من الشبّان، والتي أخذت على عاتقها بناء الاسس الاولى للدعوة، ذلك لأنّهم أسرع الى كلّ خير، وأقدر على انجاز المهامّ مهما كانت عسيرة، والأجدر باءستيعاب ما يلقى اليهم، لأنّ قلب الشاب كالأرض الخالية تتقبّل مايلقى فيها.

ولقد وقف وراء هذه الثلّة الشبابية المباركة، مجموعة كهول وشيوخ، يتهادون خلف نبيّهم بروح شابّة، وهمم متصاعدة، وعقلانية رائدة.

وتقدّم الاسلام فاتحا وضرب بقوّته الأرض،  بهمّة شبّانه، وهدي نبيّه، ورزانة شيوخه .واليوم وقد تيسّر لشباب الاسلام من وسائل للدعوة غير تلك التي كانت بأيدي اخوتهم في صدر الاسلام، فبات لازما أن يستخدم المسلم تلك الوسائل، بآليات عمل منسجمة مع الواقع الذي يعيش.

فأبواب العلم مشرعة في كلّ أنحاء الدّنيا، ومن الحيف بمكان أن تفتقد شبّاننا، والتخصّص بأي حقل من حقول المعرفة، يهييء الأرض المناسبة للداعية أن ينطلق واثقا، من احرازه النتيجة المرجوة، لأنّه كلّما كبرت مساحة علمه، كبرت دائرة علاقاته، وتكبر معهما مسؤولياته ن فيشرف من الموقع المتميّز على عمل الدعوة الى الله.

واذا لم يتهيأ لبعض شبابنا ذلك، فلا يظننّ أنّ قطار المعرفة قد فاته، ففي العلم الديني مايغنيه ويثريه، وان كان لا يقرأ ولا يكتب، فحكمة الحياة بين يديه، وأبوابها مفتوحة له، والمعاني الانسانية في الاسلام، وقيمه المتعالية، ليست حكرا على من يقرأ ويكتب.

فالاسلام يحتاج الحميع من دون استثناء، ولكنّ أسلحة العلم الحديث، والأساليب الحديثة في الدعوة، هي أمضى سلاح.

ومن درس الاسلام في حلاله وحرامه، وفهم مقاصده وغاياته، وأحكم عدّته للدخول في الحلبة، أحرز قصب السبق فيها.

فالشاب المسلم أيّا كان موقعه، وأيّا كانت ثقافته، فهو ابن المجتمع الذي يعيش فيه، وابن البيئة التي ترّبى فيها، ولا يحتاج الاّ الى المنهج الذي يأخذ بيده للبناء، وتخليصه من كوابيس المادة وهذيانها المخيف، واخراجه من التيه والضياع الذي ألمّ بأكثر الناس.

فالواقع اليوم بحاجة ماسّة الى الاسلام كدين هداية وعلم، كما هو بحاجة الى كلّ دين سماوي، ينأى به عن الحروب والانهيارات الأخلاقية.

لقد انتشر الاسلام في الدنيا بمعاملة أبناءه لغير المسلمين معاملة انسانية صرفة، وانفرجت له الطرقات لما يحمل من صيحات خلاص للانسانية المعذبة .

واذا كان شباب الاسلام حملوا السيف في وقت من الأوقات،  فلأنّهم ثأروا لكراماتهم التي داسها الطغاة، وحماية لحرياتهم التي صادرها مصّاصوا الدماء.

قال تعالى: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا اليهم انّ الله يحبّ المقسطين انّما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم أن تولّوهم ومن يتولّهم فاؤلئك هم الظاّلمون﴾[91]

فالسيف هذا حمله المقهورون،  المعذّبون،  المحرومون، بيد أنّ الواقع اليوم يذبح بسيف دعاة الحرية والسلام، وتباد شعوب بأسرها، وتنتهك حرمات، وتسلب ثروات، وتحتلّ أوطان ويشرّد أهلها، وليس من مغيث، ولا معترض، واذا كانت هناك صيحة اعتراض فخجولة.

الموقف من ظاهرة الغلو

لقد اهتم الاسلام بالعلم، فكانت أول آية نزلت على رسول الاسلام محمّد (ص) هي ﴿اقرأ باءسم ربّك﴾.

اقرأ يا محمّد الكون وما فيه من أسرار وآيات، وافتتح كنوزه، وحلّ ألغازه ورموزه، وفكّ عقده، ولكن باءسم ربّك.

فبالعلم ينطلق الانسان لاكتشاف نفسه وما أودع الله فيها من أسرار، وهكذا كان لمحمّد ومن وقف معه قارئا.

والذين آثروا العيش مع الجهل أصبحوا الأداة الضارة، والغدّة السّامة في المجتمع.

فقد انفتحوا على الكذب تعويضا لهزيمتهم أمام من أضحوا عيش العلم.

وقد أشار النبيّ (ص) الى ذلك بقوله : كثرت عليّ الكذّابة فمن كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار.

ومن صور الكذب عليه (ص) المغالاة به، ويروى أنّه دخل عليه رجل فقال السلام عليك يا ربّين فقال له مالك لعنك الله انّ ربّي وربّك الله ، اما والله لكنت ما علمتك لجبانا في الحرب لئيما في السلم[92].

وورد عنه (ص) أنّه قال : لا ترفعوني فوق حقّي فاءنّ الله اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا[93].

فالغلو امّا ناشيء عن قصد في عماية اجهاض العقيدة من الداخل وتشويشها في الذهن، واخراجها من التوحيد الى منظومة شركيات وخرافة، وامّا ناشيء عن جهل بالاسلام جملة وتفصيلا، فحينها تتحول الأضغاث أحلام عقائد متبناة، وأقاصيص الخرافة هي التأريخ!!

وكلا المنشئين يحتاجان الى شغل دائم وهمّ دائم، وعلى المثقّف المسلم كما على المؤسسة الدينية أن يقوما بنشر العقيدة الخالية من شائبة غلو، وطبع الكتب المعنية بذلك، وحرق الكتب الغالية، وحجب الثقة عن رجال الدين الغالين، وتعطيل منابرهم الغالية.

واذا لم تكن هناك حملة قوية في مقابل ظاهرة الغلو التي نشهدها هذه الأيام، والتي قد ينشأ عنها جيل أبله يصبح سكّينا في خاصرة الاسلام والأمن العام لمجتمعاتنا.

ويعطينا الامام الصادق (ع) درسا في سلوك الجادّة الوسطى التي لا غلو فيها ، كما تمثّل تبرئة واضحة من الذين يدّعون الانتساب الى مدرسته فيقول: اتقوا الله، وعظّموا رسول الله، ولا تفضّلوا على رسول الله أحدا، فاءنّ الله تبارك وتعالى قد فضّله، وأحبوا بيت نبيكم حبّا مقتصدا، ولا تغلوا ولاتفرقوا، ولا تقولوا ما لا نقول، فإنّكم ان قلتم وقلنا، متّم ومتنا، ثمّ بعثكم الله وبعثنا، فكنّا حيث يشاء الله وكنتم[94] فوالله ما نحن الاّ عبيد الذي خلقنا واصطفانا، ما نقدر على ضرّ ولا نفع، وان رحمنا فبرحمته، وان عذّبنا فبذنوبنا، والله ما لنا على الله من حجّة، ولا معنا من الله براءة، وانّا لميتون ومقبورون، ومنشرون ومبعوثون، وموقوفون ومسؤولون[95].

لقد نبهنا قرآن هذه الامّة على مخاطر الغلو في الدّين وكيف أنّه أقضّ مضجع ديانات ، وجلب المتاعب لأصحاب رسالات ﴿يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله الاّ الحقّ انّما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته﴾[96].

فالنصرانية تعرضت لحملة غلوّ قادها مغرضون فأدخلوا فبها شيئا من أساطير الاغريق والرومان والهنود وبعضا من الديانات المصرية التي قامت على التثليث، وراح الموحدون النصارىيقاومون هذه الالتقاطية مما عرّضهم لألوان العذاب من الحكومات الرومانية.

وكما ابتليت النصرانية بالغلو فقد ابتلي الاسلام كذلك، فوضعت تفاسير للقرآن في غاية التفاهة، وعاشت أجيال على مرويات اسرائيلية ضمّتها كتب المسلمين.

ولكن من ألطاف الله على هذه الامّة أن بقي قرآنها لم تناله يد التحريف، والمسلمون محكومون به دون سواه.

الأصول الإرشادية

الأصول الإسلامية

الأصول الإرشادية

الاصل الاول                        الإيمان

ديننا الإسلامي يقوم على الوحدانية الخالصة التي يترجمها قوله تعالى: ” قل هو الله أحد  الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد”. و نؤمن بالغيب كما أمرنا الله سبحانه من دون ان نتكلّف البحث عن التفاصيل . ونؤمن بالانبياء عليهم السلام الذين سبقوا محمداً (ص). ونؤمن بالكتب والصحائف والألواح التي نزلت عليهم إيماناً إجمالياً.  والمسلم محكوم بالتشريع الاسلامي دون سواه في مجالي العقيدة والأحكام


الأصل الثاني                         القرآن الكريم

الإيمان بالقرآن الكريم أنّه من عند الله سبحانه وأنّه لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو منهج متكامل ودستور متوازن،  تستوعب قواعده العامة حاجات الانسان في مختلف أدواره وأطواره

.

الأصل الثالث                       النبوة

التصديق بمحمّد بن عبد الله (ص) أنّه مرسل من عند الله سبحانه، بلّغ رسالة الله كما يريد الله، ومعجزته الخالدة هو القرآن الكريم الذي اُنزل عليه، وأنّه﴿لاينطق عن الهوى إن هو الاّ وحي يوحى﴾، وكلام رسول الله وفعله وتقريره هي سنّة شريفة وهي عَدْلُ كتاب الله قيمةً وإعتباراً

.

الاصل الرابع                        التشريع الإسلامي

القران الكريم والسنة النبوية الشريفة هما أساسا التشريع الاسلامي لايردُّ منهما حرف واحد. ويبطل الاجتهاد في فهمهما فقط بوجود رسول الله (ص)،   أمّا في غيابه(ص)، كما نحن عليه الآن، فيتحرّى المسلم الضوابط العلمية في إيجاد حلّ لما يواجه من مشكل من خلال فهم النصوص وبما ينسجم مع روح الشريعة ومقاصدها

.

الاصل الخامس                      وحدة الأمة

الانتماء إلى الأمة الفكرية التي نادى بها القرآن كأمة واحدة و العمل على القواسم المشتركة فيما بين المسلمين، و احترام فقهاء الإسلام و تقدير جهودهم و إحسان الظن بهم، و تجنّب المصطلحات و التسميات التي تحمل معاني خلاف مفهوم الأمة و وحدتها و تآلفها، و تجنّب إثارة الخلافات المذهبية و منع ردود الفعل غير الواعية و التطفّلات من زعزعة المفهوم الوحدوي للأمة و تعكير صفو الجماعة الإسلامية.


الاصل السادس                     حرية المعتقد

﴿لا إكراه في الدين﴾ هي  اللافتة التي يرفعها الاسلام في إطار حرية الاعتقاد. الاسلام دين إرتضاه الله سبحانه للناس وأنّه ترجم فكر الديانات وهديها،. والانسان مخيّر في إختيار أيّ دين من ديانات السماء إختياراً يقوم على المتابعة والفحص وله أجر إمعان العقل في ذلك. ويعاقب المرتدّ عن الإسلام فقط إذا شكّل إرتداده ظاهرة فتنة في المجتمع

الأصل السابع                 حقوق الإنسان

لايجوز إستعباد الانسان،  ولا استغلال طاقاته، وتهميش لياقاته،  وتحقير شخصيته،  وإستخفاف عقله،  وإهمال إبداعاته،  فالله سبحانه خلق الانسان حرّا مكرّما محترما وهو خليفته في أرضه. لكلِّ إنسان الحقَّ في إختياراته الخاصّة والعامّة، إلاّ إذا تعارضت مع  أعراف وثقافة المجتمع الذي يعيش فيه.


الأصل الثامن                      الحب و المعاملة

الحبّ هو الأساس التي تقوم عليه الحياة ،  وبالحبّ وحده تعمر الدّنيا ويسعد الإنسان فمن أحبّ الله سبحانه أحبّ خلقه إنسانا كان أم غيره. تعامل الإنسان مع الإنسان يقوم على أساس الاُخوة الإنسانية من دون النظر إلى الدين أو العرق أو الّلون

.

الأصل التاسع                                   الوطن و القانون

الوطن هو السقف الذي يستظلّ تحته كلّ من إنتمى إليه من دون فوارق فالمواطنون كلّهم فيه سواء ، والولاء له عقيدة ، وحبّه مثلاً عليا. ينتظم أمر المجتمع بقانون سواء كان قانونا إلهيا، أو قانونا وضعيا، ويشرف على تطبيق القانون منفذون ذوو إختصاص و حزم ، و على المواطنين مراعاة تطبيق تلك القوانين  مادامت تحقق لهم الاستقرار، و الحياة الحرة الكريمة

.

الأصل العاشر        الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسمى الفرائض الإسلامية وأسناها ، و يُراعى في ممارسة هذه الفريضة أحوال الناس و طبيعة ظروفهم السياسية و النفسية و الأمنية، و تكتسب صيغ ممارستها من نوعية النظام السياسي وشكل  القانون المراعى، والتقاليد و الأعراف.   لا يصحّ التمرّد على إي حاكم أو نظام عادل تطامن الناس في ظلّ حكمه.   و يحقّ لمن يريد الإنتصار إلى نوعية النظام الذي يريد، أن يخلق توازنات في إطار معارضة سلمية.


الأصل الحادي عشر           التيسير و الترغيب

ينبغي اتخاذ أسلوب التيسير و الترغيب في طرح الآليات الإسلامية و عدم التشدّد على الغير بما يتشدّد الفرد به على نفسه، و الدعوة إلى الأخذ برخص الدين بما فيه مصلحة الجماعة و الأمة.

الأصل الثاني عشر             حب آل البيت

حبُّ آل بيت رسول الله(ص) بصورة عامّة، وعليّ ين أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين خصوصاً هو ممّا فرضه الله على المسلم.  ولا يترشّح من خلال حبّهم أو عداوتهم أي موقف فردي أو جماعي فيما بين المسلمين، وإنْ كانت عداوتهم مجانبة للإحسان

الأصل الثالث عشر         احترام الصحابة

بالمجموع المكوّر، قدّم الإسلام بالصحابة أروع الأمثلة في الجهاد و الزهد و التلقي و التضحية، و على المسلمين التأسّي بنقاط الإشراق و القوة في شخصياتهم و الاستفادة من نقاط الضعف و زلّات التاريخ.

الأصل الرابع عشر             المساواة

الناس سواسية كأسنان المشط لا فرق لأحد على أحد وهم متساوون بالحقوق والواجبات. لكلٍّ من الرجل والمرأة حقوق وواجبات، وهما شريكان في بناء الحياة،والحياة متاحة للكفوء منهما في قيادة الأفكار والسياسة.

الأصل الخامس عشر        الاجتهاد و التقليد

كلُّ من ملك القدرة على إرجاع الفروع الى الاُصول، بمعرفة لكتاب الله، وسنّة رسول الله، فهو مجتهد يؤخذ برأيه، من دون النظر الى إنتماءه المذهبي، إذ التعبّد بأي مذهب من مذاهب الإسلام مبرء للذمّة، فالمسلم يحتاج الى منجم فقهي يأخذ منه ما يحلُّ به مشكلاته في دائرة الأحكام الشرعية.

الأصل السادس عشر         التقاليد

التقاليد والعادات والأعراف الإجتماعية والدينية، ممّا نجدُ فيها لمسة تربوية بنّاءة يشجّع على ممارستها.

أربعينية الحسين ألق الذكريات

أربعينية الحسين
ألق الذكريات
كنّا ننطلق من النجف الأشرف زرافاتٍ ووحداناً شيباً وشباباً نساءاً ورجالاً علماء وطلاّباً مشياً على الأقدام الى كربلاء في رحلة الذكرى التي باتت غصّة في حلق النظام المقبور، وروحاً منفتحة على الله من خلال وعينا للحسين ودوره، ومدى تأثيره كشخص وثورة على وجداننا وعقولنا.
ولقد جذّرت هذه الإنطلاقة في …نفوسنا أواصر العلاقة فيما بيننا كاُمّة من الناس نعشق الحياة حرّة كريمة، ونروم تطبيق المبادئ التي ترعى العقل والإحساس والحياة.
لم تكن هذه المسيرة على الأقدام لتقتصر على العشق العشوائي للحسين وآله، بل كانت رحلة اليه بكلنا، تجديداً للعهد ، وطهراً نستقيه من طهر دماءه.
وبهذه المناسبة وما أعيشه في ذكراها قصصاً طيبة، وما عانيناه من أجل تجذيرها في ضمير الاُمّة من سجن وتعذيب على أيدي أزلام النظام المنحلّ أقول أعظم الله لزوار الحسين أجرهم، وأبعد عنهم حقد الحاقدين وجنّبهم ما يسوؤهم.

یجب مکافحة الخرافات والبدع فی جمیع صورها وأشکالها

آیة الله مکارم الشیرازی:

رسا/ أخبار الحوزة المحلیة – قال آیة الله مکارم الشیرازی: الأحلام والرؤى من عوامل نشوء الخرافة فی المجتمع، وهی لیس بحجة فی الإسلام مطلقاً.
…أفاد مراسل وکالة رسا للأنباء أن المرجع الدینی سماحة آیة الله ناصر مکارم الشیرازی، حذر من انتشار الخرافات فی المجتمع، وقال: إذا ما اقترن الدین بالخرافات سیزول ما فیه من الأصالة.
ولفت سماحته خلال المحاضرة الأخلاقیة التی یلقیها أسبوعیاً عقب درس البحث الخارج، الى أن الکذب على الله ورسوله کان موجوداً طیلة التاریخ الإنسانی، مردفاً: هناک جماعات تقوم بهذا العمل بدوافع مختلفة على مر التاریخ، ما تسبب بإیجاد مخاطر جمة.
وشدد سماحته على أن شیوع الخرافات والبدع من جملة تلک المخاطر، مضیفاً: یتشبث البعض بما لا یمت الى الإسلام بصلة أصلاً، ناسباً ذلک الى الدین الإسلامی؛ وبهذا، فهم یروجون للخرافات التی تشوه الإسلام من جهة، وتمنح الأعداء ذریعة للنیل منه من جهة أخرى.
وحلل سماحته عوامل نشوء الخرافات فی المجتمع، ذاهباً الى أن الأحلام من أهم تلک العوامل، موضحاً: الأحلام لیست حجة فی الإسلام مطلقاً، ولو اعتبرنا الرؤیة حجة شرعیة لعمد کل من هب ودب الى اختلاق حلم ما، وبالتالی إحداث مشاکل عویصة استمر في القراءة