رسالة إلى الإمام الحسين (ع)- السيد وسام شرف الدين


رسالة إلى الحسين (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

“الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون”

الحسين بن علي (عليهما السلام)

أكتب إليك اليوم يا سيدي و مولاي، و أنا أقف بين يدي ذكراك، و من أنا و ما أنا لأكتب إليك يا سيدي، و لكني أسافر مع الخيال لأقع في لباس أحد من جنودك المضرجين بالدماء، فأحاول أن أكتب كما يكتب جندي إلى قائده، أو انتحل مكان تلميذ من تلاميذك فأكتب كما يكتب تلميذ إلى أستاذه، أو أدّعي التشيّع لك، فأكتب كما يكتب تابع إلى سيّده، و مع كل ذلك، تتيه الكلمات و تحتار الحروف…

فلست أنت يا سيدي قصة تتلى في يوم استشهادك، كما يفعل الناس الآن، و لا التنويه بك يكون في الصلوات المخترعة أو النياحات المستغربة التي يتلوها العاشقون، و يتأوهون أو لا يتأوهون! و يدركون أو لا يدركون!

و لا ذكراك يا سيدي لطم على الصدور، ليصدر عنه إيقاعاً منسجماً مع الصوت الرخيم الذي علا المنبر ليرتّل مصابك، فاستعرض به الشباب قوّة سواعدهم، و طربت آذان الناس له حتى أصبح بديلاً عن الغناء لمن اشتاق إلى ما يطرب سمعه.

و لا ذكراك يا سيّدي عنواناً طائفيّاً تصفّى فيه حسابات القرن الأوّل بحسابات القرن الواحد و العشرين، فيخرج العشّاق و قد ترسّخت في نفوسهم حقّ يدّعونه لهم مسلوباً، و مظلوميّةٌ غدت ملحمة الدهر السرمدية، و ضلال الطوائف الأخرى التي لا تتعبّد بمثل هذه المجالس، و لا تتوشّح حزناً بالسواد الحالك.

كلا ليست هذه ذكراك…

و حاشا لذكراك أن تتدنّى إلى صور عاشوراء القرن الواحد و العشرين، من الدماء السائلة و القامات المسلولة و الجباه الزاحفة و التشابيه و المزامير و الطبول و الزناجيل و الجمر و النار و إلى ما هنالك من بدع قبيحة مما أعتذر من ذكره بين يديك، و في حضرة ذكراك “وصَوْنَاً لمجدِكَ مِنْ أَنْ يُذَال *  بما أنتَ تأبـاهُ مِنْ مُبْـدَعِ”.

فما جنحت شيعتك إلى هذه التعابير في الإبانة عن تعلقهم فيك، إلا يوم جهلوك، و يوم أن تركوا اللباب الملئ، و أعياهم حمله، فحملوا القشور، و يوم أن أضاعوا الجواهر الثمينة في صحراء كربلاء، و اكتفوا بالمظاهر الساذجة، و لما كانت تلك المظاهر و القشور غائبة من فكرك و سنة جدّك، و مفقودة من الإسلام و هدي كتابه، فقد اختلقوا لأنفسهم مظاهر و ابتدعوا قشوراً، ملؤوا بها الخافقين، و تفننوا في تطويرها كل تفنن، و لا عليهم! فهي لا تكلف جهداً سوى إطلاق العنان للعواطف للتتحكم بالإنسان، و فتح الباب للمشاعر كي تحول الحدث إلى مسرحية يونانية حزينة، و استيراد تقاليد من الهند و السند و بلاد ما وراء النهرين!

أما الذي يكلّف جهداً فهم ينكصون عنه، و أما الجوهر فللرجال التي تقوى على حمله، و أما اللباب فلأصحاب العزم و الجهد، الذين بدل الاستماع إلى نعي مكرر ممل، ينهضون إلى تقويم النفس و إصلاح المجتمع، حتى يحولوا المجتمع الذي يعيشون فيه أينما كانوا، مجتمعاً قريباً من سنن الأنبياء و هدي السماء في المعاش و المعاد، و الحرب و السلم، و العلم و العمل، و العادات و العبادات، و العلاقات و الصلات.

إن الذي يعيشك يا سيّدي في ضميره و وجدانه، فهو يعيش الإسلام، و الذي يعيش الإسلام يتفجّر عملاً و عطاءً، و تشتعل الأرض من تحته علماً و عملاً، و يتفجّر النور من جوانبه أخلاقاً و شيماً.

أما الذي يعيشك يا سيّدي دمعةً سخية يشعلها صوت شجي، أو عاطفة جياشة تحركها كلمات مقفاة، و هو بعيد عن الإسلام و منهجه، و المجتمع و إصلاحه، و النفس و تقويمها، فلا يغني عنه أبداً أن يحرك لسانه بذكرك ألف مرة باليوم، و أن يذرف دموعه في سبيلك حتى يغسل بها قارعة الطريق.

كيف بك يا سيدي لو نظرت اليوم إلى أولادنا و بناتنا، كيف بك إذا نظرت إلى ديارنا و نوادينا، كيف بك إذا نظرت إلى حالنا و ما بنا، بلادنا يحكمها شرارنا، و أموالنا يتقاسمها سفهاؤنا، و أمورنا يديرها لنا الغرباء حتى كأنّا أطفال محجور علينا القرار، و ممنوع منا تحديد المصير، و ها هم أولادنا لا يعرفون من القرآن إلا البركة و التمسّح، و لا يفقهون من الإسلام إلا الأناشيد و زخارف المساجد، عجزنا أن نبني مدرسة محمدية، و عقمت أرحام نسائنا من أن تلد مثل أخيك أبي الفضل العباس أو صاحبك حبيب بن مظاهر، و فشلنا أن نجتمع و لو مرة واحدة فنتفق، يأكلنا الإرهاب الحاقد من جهة، و تفتك بنا العلمانية السقيمة من جهة أخرى، و تشتعل فينا الفتن اشتعال النار في الهشيم، و ينخر فينا الجهل كالسوس في الخُشب المسنّدة، و لا عجب، فمتوسط القراءة لكل فرد في العالم العربي يساوي 6 دقائق في السنة، مقارنة  بمعدل 12 ألف دقيقة في السنة للغربي، و صارت روح القرآن النابضة بالحياة و التطور و الإنتاج و البناء تعيش في بلاد لا تقرأ القرآن، و بقي جسد القرآن بلا روح في بلادنا هامداً على رف من الرفوف المهجورة.

فلو بعثت بيننا اليوم في مجلس اجتمع في ذكراك، لأنكرت مرآنا و كرهت منطقنا، ففقهنا قليل، و أيدينا فارغة، و أوقاتنا ضائعة، و غفلتنا طويلة، و لعرّفتنا ديننا قبل أن تعرّفنا نفسك و سيرتك، و كم سهم رمي عليك أو لم يرم، و لدللتنا إلى ربنا سبحانه بدل أن تدلنا إلى زيارة نسب بها صحابة جدك أو أجداد أصحابك، و لأمرتنا بإحياء الجمعة قبل إحياء عاشوراء، و إعمار المساجد بالعلم قبل إعمار الحسينيات بالعزاء.

و لقلت لنا تعالوا معي أو اذهبوا مع غيري ممن قدم الإسلام، و ما أكثرهم، و لكن المهم أن نقف جميعاً في ساحة رب العالمين نناجيه: “إياك نعبد و إياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم”، فأنا لا أملك حبلاً أجركم به إلى الجنة، و إنما آمل أن أقذف في قلوبكم البصر الذي ترون به الحق، و ذلك بوسيلة القرآن الكريم المحفوظ من الزيغ، الميسّر للذكر المبين.

نعم يا سيّديّ! هذا ما أسمعك تقوله إذا بعثت بيننا…

إن الحضارة اليوم لم تزد الإنسانية إلا زيادة في وسائل الإغراء، أما الفساد، فهو هو، فأين الحسينيون في هذا الزمان ليحاربوا الفساد، و ينهضوا بالإصلاح، و يضحوا الغالي و الرخيص في سبيل ذلك؟

و رحم الله الجواهري إذ قال فيك سيّدي:

شَمَمْتُ ثَرَاكَ فَهَبَّ النَّسِيمُ نَسِيـمُ الكَرَامَـةِ مِنْبَلْقَـعِ
وعَفَّرْتُ خَدِّي بحيثُ استراحَ خَـدٌّ تَفَرَّى ولميَضْـرَعِ
وحيثُ سنابِكُ خيلِ الطُّغَاةِ جالتْ عليـهِ ولم يَخْشَـعِ
وَخِلْتُ وقد طارتِ الذكريات بِروحي إلى عَالَـمٍ أرْفَـعِ
وطُفْتُبقبرِكَ طَوْفَ الخَيَال بصومعـةِ المُلْهَـمِ المُبْـدِعِ
كأنَّ يَدَاًمِنْ وَرَاءِ الضَّرِيحِ حمراءَ ” مَبْتُـورَةَ الإصْبَـعِ”
تَمُدُّ إلىعَالَـمٍ بالخُنُـوعِ وَالضَّيْـمِ ذي شَرَقٍ مُتْـرَعِ
تَخَبَّطَ في غابـةٍأطْبَقَـتْ على مُذْئِبٍ منـه أو مُسْبِـعِ
لِتُبْدِلَ منهُ جَدِيـبَالضَّمِيرِ بآخَـرَ مُعْشَوْشِـبٍ مُمْـرِعِ

فسلام عليك سيدي يوم ولدت في كنف الإسلام و في حضن رسول الله، و سلام عليك يوم استشهدت طالباً الإصلاح في أمة جدك، و سلام عليك يوم تبعث بين الأنبياء و الشهداء و الصديقين، و حسن أولائك رفيقاً.

جعلنا الله معكم في الدنيا و الآخرة، و الحمد لله رب العالمين

محبك المخلص

وسام شرف الدين

‏12‏ كانون الثاني‏، 2008

‏4‏ محرم‏ 1429

أضف تعليق